تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

منها: أن الله سبحانه وتعالى قد أطلق الأمر على المندوب في الكتاب والأصل في الإطلاق الحقيقة فيكون المندوب مأموراً به حقيقة، وذلك كقوله تعالى ?إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى? فالعدل كله واجب وأما الإحسان فمنه ما هو واجب ومنه ما هو مندوب وكذلك إيتاء ذي القربى منه ما هو واجب ومنه ما هو مندوب فلما خرج ذلك كله بصيغة الأمر أفادنا ذلك أن المندوب من جملة ما أمرنا به حقيقة، وكقوله تعالى ?وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوف? والمعروف اسم عام لكل ما ثبت في الشرع الأمر به والمندوب من جملة المعروف لأن المعروف اسم يدخل فيه الطاعات الواجبة والطاعات المستحبة، فدل ذلك على أن المندوب مأمور به حقيقة وكذلك ورد إطلاق الأمر في السنة على ما ليس بواجب كما في الصحيحين من حديث أم عطية رضي الله عنها قالت» أمرنا النبي ? في العيدين أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور «ومعروف أن إخراجهن ليس من الواجبات المتحتمات بل هو من المندوبات المستحبات وقد ورد بصيغة (الأمر) فدل ذلك على أن المندوب مأمور به حقيقة، ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما من قوله» أمرنا رسول الله ? بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس وإبرار المقسم ونصرة المظلوم وإفشاء السلام «وهذه الخصال منها ما هو واجب ومنها ما هو مندوب ومع ذلك فقد خرج بصيغة الأمر مما يفيد أن المندوب مأمور به حقيقة ومن ذلك ما رواه الإمام النسائي في سننه قال: أخبرنا محمد بن عبد العزيز قال: أنبأنا الفضل بن موسى عن فطرٍ عن يحيى ابن وسام عن موسى بن طلحة عن أبي ذرٍ قال» أمرنا رسول الله ? أن نصوم من الشهر ثلاثة أيامٍ البيض، ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة «"حديث حسن" وصيامها سنة وليس بواجب وقد وردت هذه السنة بصيغة (أمرنا) وهي مندوبة مما يدل على أن الندب مأمور به حقيقة, ومن ذلك ما رواه النسائي أيضاً في سننه قال: أخبرنا محمد بن مسلمة قال حدثنا ابن وهب عن الليث عن حنين ابن أبي حكيم عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر ? قال:» أمرني رسول الله ? أن أقرأ المعوذات دبر كل صلاة «"حديث صحيح" وقراءتها ليست بالأمر الحتم وإنما هي من جملة المندوبات المتأكدات وقد أخرجها بصيغة الأمر مما يفيد أن المندوب مأمور به حقيقة, ومن ذلك أيضا ما رواه النسائي في سننه قال:- أخبرنا زكريا بن يحيى قال حدثنا أبو كامل قال حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن رجلٍ عن الأسود بن هلال عن أبي هريرة قال» أمرني رسول الله ? بركعتي الضحى وأن لا أنام إلا على وتر وصيام ثلاثة أيام من كل شهر «"حديث صحيح" وهو في الصحيحين ولكن بلفظ (أوصاني) والشاهد منه رواية النسائي وهذه الخصال التي أمر بها أبو هريرة ? كلها من التطوعات المندوبات وليست من الواجبات المتحتمات مما يدل على أن المندوب مأمور به حقيقة, ومن ذلك أيضاً ما رواه النسائي في سننه قال: أخبرنا محمد بن عبدالله بن يزيد المقرئ قال حدثنا سفيان قال حدثني عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن سعيد بن المسيب عن أم شريك قالت:» أمرني رسول الله ? بقتل الأوزاغ «"حديث صحيح" وقتلها من المندوبات لا من الواجبات فدل ذلك على أن المندوب مأمور به حقيقة, ومن ذلك أيضاً حديث صفوان بن عسال ? قال» كان النبي ? يأمرنا إذا كنا سفراً أو مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم «"حديث صحيح" ومن المعلوم أن المسح على الخفين ليس من الواجبات المتحتمات وإنما هو من المندوبات ومع ذلك كان النبي ? يأمرهم به مما يدل على أن المندوب مأمور به حقيقة, ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت:» أمرني رسول الله ? أن يسترقى من العين «وهذا ليس أمر وجوب لأن التداوي ليس بواجب وإنما هو أمر استحباب وندب، فدل ذلك على أن المندوب مأمور به حقيقة, ومن ذلك أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه من أن النبي ? قد أمرهم في الحج أن يرملوا في الأشواط الثلاثة، وهو أمر ندب لا أمر وجوب مما يدل على أن الندب مأمور به حقيقة. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً فيها يصرح الصحابة أن النبي ? أمرهم بكذا أو كذا وإذا نظرت إلى ما أمرهم به وجدته مندوباً. فالكتاب والسنة يعبران عن الشيء المندوب بأنه أمر مما يفيد أن المندوب مأمور به حقيقة والله أعلم.

ومن الأدلة أيضاً:- فهم الصحابة ? ذلك، أي أن الصحابة ? كانوا يفهمون أن المندوب مأمور به على الحقيقة ولا شك أن فهمهم حجة لابد من الأخذ بها فإننا نفهم الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة وهم سادات السلف ورؤوس المسلمين، والدليل على ذلك ما قدمناه لك من أدلة السنة فإن الرواة فيها يصرحون في هذه المندوبات أنها مما أمروا بها ويعبرون عنها بأن النبي ? أمرهم بكذا وكذا وقد ذكرنا لك في الدليل الأول طرفاً كبيراً من ذلك, وحيث كان الصحابة ? يفهمون ذلك أي يفهمون أن المندوب مأمور به حقيقة فنحن نفهم كفهمهم ? وأرضاهم فإنهم أكمل الأمة فهماً وأعمقهم علماً والله أعلم.

ومن الأدلة أيضاً:- أن المندوب طاعة، وكل طاعة فهو مأمور بها، فهاتان مقدمتان:-

الأولى: المندوب طاعة وهذا باتفاق أهل العلم رحمهم الله تعالى، فلا نعلم خلافاً بين العلماء في أن المندوب من جملة الطاعات, وحيث كان المندوب طاعة فاعلم أن كل طاعة فإنها داخلة تحت حد الأمر، إذ ليس هناك طاعة تخرج عن حد الأمر بل نحن نعرف الطاعة بأنها كل ما أمر به الشارع في الكتاب والسنة، ومن جملة ذلك المندوبات فعلم بذلك أن المندوب يدخل في حدود المأمور به إلا أن الأمر به ليس كالأمر بالواجب فيه حتم وإلزام وإنما الأمر في المندوب أمر ترغيب وفضيلة، فهذه الأدلة تفيدك إفادة صريحة إن شاء الله تعالى أن الأمر ينقسم إلى قسمين:- أمر لزوم وأمر ترغيب، فأمر اللزوم هو الواجب وأمر الترغيب هو المندوب، فيفيدك هذا أن المندوب مأمور به حقيقة والله أعلى وأعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير