تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أنت الكريم الذي إنعامه أبداً ... للوفد من كفه الفياض مبذول

ويقول "شفاء الفؤاد" (ص205):

براه جلال الحق للخلق رحمة ... فكل الورى في بره يتقلب

قلت: فهذه الأوصاف المذكورة كلها من خصائص الرب سبحانه وتعالى، فهو الكريم المتفضل على الوجود، كما أخبر سبحانه عن نفسه فقال عز من قائل: (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون) (النحل: 53).

وقال: (الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) (إبراهيم: 32 - 34).

وقال: (خلق السموات والأرض بالحق، تعالى عما يشركون. خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين. والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) إلى قوله: (هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون. ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) إلى قوله: (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) إلى قوله: (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) (النحل: 3 - 18).

وقد تكرر في القرآن ذكر نعم الله عز وجل على عباده بالخلق والإيجاد والرزق في البر والبحر، وفصلها سبحانه في مواضع كثر، فذكر إنزال المطر وإنبات النبات وإرسال الرياح لواقح وخلق الأنعام وتسخيرها للمطعم والملبس والمركب، وسخر البحار والأنهار كذلك للمطعم والمشرب والحلية والمركب، إلى غير ذلك من النعم الكثيرة التي لا يحصيها إلا رب البرية.

وأعظم هذه النعم على الإطلاق نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم، وهي التي اختص بها عباده الذين أخبر عنهم بقوله: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) (النساء:69).

فبين سبحانه في هذه الآية أصناف المنعم عليهم، وأولهم الأنبياء عليهم السلام، الذين جمع الله لهم مع نعمة الهداية نعمة أجل وهي نعمة النبوة.

قال سبحانه وتعالى عن عبده ورسوله عيسى عليه السلام: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل) (الزخرف:59).

قال القرطبي – رحمه الله -"تفسير القرطبي" (16/ 104): "أي ما عيسى إلا عبد أنعم الله عليه بالنبوة وجعله مثلاً لبني إسرائيل، أي آية وعبرة يستدل بها على قدرة الله تعالى، فإن عيسى كان من غير أب .. ".

وقال سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون) (الطور: 29).

قال القرطبي – رحمه الله - "تفسير القرطبي" (17/ 7): " (فما أنت بنعمة ربك) يعني برسالة ربك (بكاهن) تبتدع القول وتخبر بما في غد من غير وحي".

إذاً: فالقول بأن النعم من عند غير الله، ونسبتها إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد من الخلق كفر وتكذيب بالقرآن وإنكار للمعلوم بالضرورة من الفطرة والإيمان، وقول على الله بغير علم، إذ هو المنعم على الخلق كلهم بسائر النعم ظاهرها وباطنها، وهو وحده المتفضل على الوجود، الغني عن كل موجود، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد. وما ذلك على الله بعزيز) (فاطر: 15 - 17).

وقد يسوق الله عز وجل بعض نعمه على أيدي الخلق ويجعلهم سبباً في إيصالها إلى من يشاء فيصح حينئذ أن تنسب إلى السبب كقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك) (الأحزاب: 37). حيث أنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق من الرق وآواه إليه وأحسن إليه إحسان الوالد لولده وكان قد تبناه فكان يُدعى زيد بن محمد ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) (الأحزاب:5).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير