قال الله تعالى: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله. قل أفلا تذكرون) (المؤمنون:84 - 85).
قال ابن كثير – رحمه الله - (3/ 252): "يقرر تعالى وحدانيته واستقلاله بالخلق والتصرف والملك ليرشد إلى أنه الله الذي لا إله إلا هو، ولا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، ولهذا قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره المعترفين له بالربوبية وأنه لا شريك له فيها، ومع هذا فقد أشركوا معه في الإلهية فعبدوا غيره مع اعترافهم أن الذين عبدوهم لا يخلقون شيئاً ولا يملكون شيئاً ولا يستبدون بشيء بل اعتقدوا أنهم يقربونهم إليه زلفى (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، فقال: (قل لمن الأرض ومن فيها) أي من مالكها الذي خلقها ومن فيها من الحيوانات والنباتات والثمرات وسائر صنوف المخلوقات (إن كنتم تعلمون. سيقولون لله) أي فيعترفون لك بأن ذلك لله وحده لا شريك له، فإذا كان ذلك (قل أفلا تذكرون) أنه لا تنبغي العبادة إلا للخالق الرازق لا لغيره "اهـ.
فظهر بهذا أن المخالف ومن على شاكلته من دعاة السوء أشد كفراً وأعظم شركاً من المشركين الأولين.
وإذا كان الخالق سبحانه قد نزه نفسه عن الشريك في أمر حقير، وهي أرض الدنيا الفانية، التي لا تعدل عند الله جناح بعوضة، فكيف يُملك أرض الجنة العظيمة الخالدة، مستقر رحمته ودار كرامته، لأحد من خلقه؟!
فقول المخالف: إن النبي صلى الله عليه وسلم يملك حق الإقطاع في أرض الجنة، ظاهر السقوط، مع ما فيه من الكفر والكذب والتكذيب لنصوص الوحي المصرحة بملكية الخالق وحده وأحقيته في التصرف بما يشاء في الجنة وما فيها، لا شريك له في شيء من ذلك قال تعالى: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً) (مريم:63).
وأخبر سبحانه عن أصحاب الجنة قولهم: (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) (الزمر:74).
قال القرطبي – رحمه الله - (15/ 287): "قيل إنهم ورثوا الأرض التي كانت تكون لأهل النار لو كانوا مؤمنين " اهـ.
وجاء في دعاء خليل الرحمن عليه السلام قوله: (واجعلني من ورثة جنة النعيم) (الشعراء:85).
وقال سبحانه: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) (الفجر:30).
والأدلة من القرآن على ملكية الله الخالصة للجنة أجل من أن تحصر، ومن السنة كذلك.
فقد جاء في حديث احتجاج الجنة والنار فول الله تبارك وتعالى للجنة: "أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي" وجاء في آخر الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقاً "متفق عليه "اللؤلؤ والمرجان " (3/ 291).
وجاء في حديث أبي هريرة في قصة آخر أهل الجنة دخولاً قول الرجل: "يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك، أليس قد أعطيت العهود والمواثيق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله عز وجل منه، ثم يأذن له في دخول الجنة، فيقول: تمنَّ، فيتمنى، حتى إذا انقطعت أمنيته قال الله عز وجل: من كذا وكذا أقبل يذكره ربه، حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه " متفق عليه "اللؤلؤ والمرجان" (1/ 44).
قلت: فالأمر كله بيد الله، فهو سبحانه الذي يتصرف في الجنة كما يشاء، وهو الذي يقطع فيها من أرضها ونعيمها كما يشاء، فلو كان غيره من الخلق يملك حق الإقطاع ولو في جزء يسير لما صح أن يقول للجنة: "أنت رحمتي أرحم بك من أشاء" ولما كان له أن يقول لذلك الرجل تمنَّ، ثم يزيده ربه أضعافاً مما سأل، إذ قد يتعارض هذا مع شريكه في الملك والتصرف، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ومثله حديث أبي سعيد الخدري حيث جاء فيه: "فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواماً قد امتحشوا" إلى أن قال: "فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه" متفق عليه "اللؤلؤ والمرجان" (1/ 46).
¥