وقال: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) (النحل: 78)، وقال: (علم الإنسان ما لم يعلم) (العلق:5).
حتى الملائكة المقربون لا يعلمون إلا ما علمهم الله: (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) (البقرة: 31 - 32).
وقال في شأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) (النساء: 113).
وقال: (وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى) (النجم: 3 - 5).
وقد يطلع الله رسله على شيء من الغيب ليكون حجة لهم ودليلاً على صدق نبوتهم، قال تعالى: (قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمداً. عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً. ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً) (الجن: 25 - 28).
قال ابن الجوزي – رحمه الله - "زاد المسير" (8/ 385): " (قل إن أدري) أي ما أدري. (أقريب ما توعدون) من العذاب (أم يجعل له ربي أمداً) أي غاية وبعداً، وذلك لأن علم الغيب لله وحده. (فلا يظهر) أي: فلا يطلع على غيبه الذي يعلمه أحداً من الناس (إلا من ارتضى من رسول) لأن من الدليل على صدق الرسل إخبارهم بالغيب.
والمعنى: أن من ارتضاه للرسالة أطلعه على ما شاء من غيبه. وفي هذا دليل على أن من زعم أن النجوم تدل على الغيب فهو كافر " اهـ.
وقال القرطبي – رحمه الله - " تفسير القرطبي " (19/ 27 - 28): " أي لا يعرف وقت نزول العذاب ووقت قيام الساعة إلا الله، فهو غيب لا أعلم منه إلا ما يعرفنيه الله " إلى أن قال: " قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم.
وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر الطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه " اهـ.
وقال ابن كثير – رحمه الله - " تفسير ابن كثير " (4/ 432 - 433): " يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس إنه لا علم له بوقت الساعة، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد " إلى أن قال في معنى قوله: (إلا من ارتضى من رسول): " وهذا يعم الرسول الملكي والبشري " اهـ.
ويؤيد ذلك قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد أن قص عليه قصص آل عمران: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك، وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم، وما كنت لديهم إذ يختصمون) (آل عمران: 44).
وقوله سبحانه بعد أن قص عليه قصص نوح عليه السلام وقومه: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا، فاصبر إن العاقبة للمتقين) (هود: 49).
قلت: فدلت آيات الكتاب على اختصاص الرب وحده بعلم الغيب وأن الذي علمه الرسل منه إنما علموه من إنباء الله، واستأثر الله بما شاء من العلوم فلم يطلع أحداً عليها، ومنها مفاتح الغيب الخمس والروح وعلم ما في الصدور.
وجاءت السنة لتؤيد ما في القرآن، فمن ذلك:
حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله " رواه البخاري (8/ 375).
حديث أبي هريرة في مجيء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قال: " متى الساعة؟ قال: ما المسؤل عنها بأعلم من السائل " إلى أن قال: " في خمس لا يعلمهن إلا الله " ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عنده علم الساعة) الآية " متفق عليه "اللؤلؤ والمرجان" (1/ 2).
¥