تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم ذكر الحافظ ابن كثير شواهد هذه الآية من الحديث على عدم اطلاع أحد من الخلق على علم الساعة وحجبها حتى أولي العزم من الرسل عليهم السلام، ثم قال: " فهذا النبي الأمي سيد الرسل وخاتمهم محمد صلوات الله عليه وسلامه، نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة والعاقب والمقفي والحاشر، مع قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بن سعد رضي الله عنهما: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وقرن بين أصبعيه السبابة والتي تليها (متفق عليه "اللؤلؤ والمرجان" (3/ 314 - 315) ومع هذا كله قد أمره الله أن يَرُدَّ علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها فقال: (قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون) انتهى باختصار.

4 - الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله.

وله أيضاً أقوال كثيرة في مواضع متفرقة من سفره العظيم "فتح الباري" الذي أودعه كنوزاً من العلوم الشرعية لا تكاد تجدها مجتمعة إلا فيه.

يقول – رحمه الله – ("فتح الباري" (1/ 220)) في شرحه لقصة الخضر مع موسى عليهما السلام حين سأله الخضر "أنى بأرضك السلام"؟: "وفيه دليل على أن الأنبياء ومن دونهم لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله، إذ لو كان الخضر يعلم كل غيب لعرف موسى قبل أن يسأله" اهـ.

وفي شرحه لحديث الربيع بنت معوذ الذي جاء فيه قول القائلة "وفينا نبي يعلم ما في غد" قال الحافظ ("الفتح" (9/ 203)): "وإنما أنكر عليها ما ذكر من الإطراء حيث أطلق علم الغيب له، وهو صفة تختص بالله تعالى كما قال تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله).

وقوله لنبيه: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير)، وسائر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب بإعلام الله تعالى إياه لا أنه يستقل بعلم ذلك، كما قال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) " اهـ.

وعند شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها: "من حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب" ذكر الحافظ – رحمه الله – ("الفتح" (13/ 364)) قول الداودي: "وما أحد يدعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم من الغيب إلا ما علم" فتعقبه بقوله: "وما ادعاه من النفي متعقب فإن بعض من لم يرسخ في الإيمان كان يظن ذلك حتى كان يرى أن صحة النبوة تستلزم اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على جميع المغيبات كما وقع في المغازي لابن إسحاق أن ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ضلت، فقال زيد بن اللصت: يزعم محمد أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن رجلاً يقول كذا وكذا، وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها وهي في شعب كذا قد حبستها شجرة " فذهبوا فجاءوه بها.

فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، وهو مطابق لقوله تعالى: (فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) الآية " اهـ.

5 - الإمام الشوكاني رحمه الله.

وله أيضاً كلام نفيس في مسألة علم الغيب ذكره في مواضع متفرقة من تفسيره "فتح القدير" صرح بالمذهب الحق ورد على الغلاة المخالفين ومنها قوله عند تفسير قول الله تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) الآية.

قال ("فتح القدير" (2/ 274)): " قوله: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله) هذه الجملة متضمنة لتأكيد ما تقدم من عدم علمه بالساعة أيان تكون ومتى تقع، لأنه إذا كان لا يقدر على جلب نفع له أو دفع ضر عنه إلا ما شاء الله سبحانه من النفع له والدفع عنه، فبالأولى أن لا يقدر على علم ما أستأثر الله بعلمه، وفي هذا إظهار العبودية والإقرار بالعجز عن الأمور التي ليست من شأن العبيد، والاعتراف بالضعف عن انتحال ما ليس له صلى الله عليه وسلم ما فيه أعظم زاجر وابلغ واعظ لمن يدعي لنفسه ما ليس من شأنها، وينتحل علم الغيب بالنجامة أو الرمل أو الطرق بالحصى أو الزجر، ثم أكد هذا وقرره بقوله: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) أي لو كنت أعلم جنس الغيب لتعرضت لما فيه الخير فجلبته إلى نفسي وتوقيت ما فيه السوء حتى لا أدي غير ذلك وأتكلف علمه " اهـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير