تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: ولهؤلاء ولغيرهم من أهل العلم من السلف ومن سار على نهجهم من الخلف كلام كثير مسطر في كتب التفسير وشروح الحديث وغيرها معلومة مظانها وكلهم متفقون على مثل ما نقلت عن هؤلاء، ولم يخالفهم إلا من سفه نفسه من أمثال هذا المخالف وغيره من دعاة السوء، هداهم الله وأصلحهم وكفى الناس شرهم وبدعتهم.

**

6 - ومن الخصائص المزعومة قول المخالف ("الذخائر" (ص228)) عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه كان يسمع حفيف أجنحة جبريل وهو بعد في سدرة المنتهى ويشم رائحته إذا توجه إليه ".

وقوله أيضاً ("شفاء الفؤاد" (ص212)):

" يا من نناديه فيسمعنا على ... بعد المسافة سمع أقرب أقرب "

قلت: ويكفي في الجواب عن هذا الهراء، أن يقال لصاحبه: من أين لك أيها المفتري أنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع حفيف أجنحة جبريل ويشم رائحته من سدرة المنتهى؟

*وسنضرب صفحاً عن تلك الصفة الغريبة، صفة الشم، فهي ليست محل تفاضل وتمدح بين المتنافسين في الرفعة والشرف من بني آدم، بل الإطراء فيها قد يخرجها من المدح إلى الذم كما هو معلوم لمن له أدنى مسكة عقل وفهم.

أما صفة السمع فالغرض من تلك الفرية الشنعاء معروف، وهو تشبيه سمع المخلوق بالخالق الذي وسع سمعه السموات والأرض.

ويؤكد هذا قول المخالف: "يا من نناديه فيسمعنا على، بعد المسافة سمع أقرب أقرب " وهذه الصفة لا تليق إلا بالله وحده لا شريك له، فهو سبحانه الذي وسع سمعه الأصوات، سواء في ذلك القريب الداني والبعيد النائي.

قال تعالى: (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) (الرعد:11).

وقال: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) (المجادلة:1).

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله عز وجل: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) الآية ".

وفي لفظ: "تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبه ويخفى عليَّ بعضه .. " (أخرجه البخاري تعليقاً (13/ 372)، وانظر "تفسير ابن كثير" (4/ 318)).

وقال سبحانه: (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب) (سبأ: 50).

قال ابن كثير (" تفسير ابن كثير " (3/ 544)):" وقوله تعالى: (إنه سميع قريب) أي سميع لأقوال عباده قريب مجيب دعوة الداعي إذا دعاه " اهـ.

قلت: فهاتان الصفتان العظيمتان: السمع والقرب، من صفات الرحمن التي تليق بجلاله وعظمته لا يشبههما شيء من صفات المخلوقين القاصرة، وقد جاء ذكرهما في نصوص الوحيين مقترنتين كما في هذه الآية، وكما في وقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما سمعهم يرفعون أصواتهم بالتكبير: " أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم " متفق عليه "اللؤلؤ والمرجان" (3/ 227).

وجاءت صفة القرب مفردة كما في قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) (البقرة:186).

وقال سبحانه: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (ق:16).

فهو سبحانه قريب من عباده أقرب إليهم من كل قريب، مع علوه فوق عرشه ومباينته لخلقه.

إذاً فقول المخالف عن عبد من عباد الله إنه يسمع نداء من يناديه سمع أقرب أقرب يقتضي مساواته مع الخالق في صفتي السمع والقرب، بل فيه تفضيل المخلوق على الخالق كما تدل عليه صيغة التفضيل "أقرب أقرب" إذ إن معناها المتبادر من هذا الإطلاق: أنه صلى الله عليه وسلم يسمع سمع أقرب مَن هو أقرب، فهو إذاً أقرب من الله سبحانه الذي وصف نفسه بأنه قريب وأنه أقرب من حبل الوريد، تعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً.

وهذا مع كونه شركاً في صفتي الرب، السمع والقرب، فهو معارض لدلالات الشرع والعقل التي تقضي ببشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنفي عنه مثل هذه المبالغات، ولكن ما وردت به النصوص من دلائل النبوة المعجزات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير