تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: نور أنَّى أراه؟ " وفي لفظ: " رأيت نوراً " أخرجه مسلم (178).

قال العلامة ابن القيم – رحمه الله -: "وقد فسر قوله تعالى: (الله نور السموات والأرض) بكونه منور السموات والأرض، وهادي أهل السموات والأرض، فبنوره اهتدى أهل السموات والأرض، وهذا إنما هو فعله، وإلا فالنور الذي هو من أوصافه قائم به، ومنه اشتق له اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى.

والنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين: إضافة صفة إلى موصوفها، وإضافة مفعول إلى فاعله.

فالأول كقوله تعالى: (وأشرقت الأرض بنور ربها) فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء.

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور: "أعوذ بنور وجهك الكريم أن تضلني، لا إله إلا أنت".

وفي الأثر الآخر: "أعوذ بوجهك أو بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات" فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الظلمات أشرقت لنور وجه الله، كما أخبر تعالى أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره.

وفي معجم الطبراني والسنة له، وكتاب عثمان بن سعيد الدارمي وغيره، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: "ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه ".

وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي أهل السموات والأرض. وأما من فسرها بأنه منور السموات والأرض فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود.

والحق أنه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها " (انظر "التفسير القيم" (ص375، 376)).

**

فصل (وذروا الذين يلحدون في أسمائه)

لم يكف المخالف شركاً بالرب عز وجل في صفاته وأفعاله، حتى أضاف إليه شركاً أكبر وكفراً أعظم، فعمد إلى أسماء الله الحسنى، التي خص بها نفسه من دون خلقه واتصف بها وجعلها علماً لذاته المقدسة، فأشرك معه فيها بعض خلقه، ظلماً وزوراً.

فمن أذكار السلام التي ابتدعها المخالف عند زيارة القبر النبوي، قوله "شفاء الفؤاد" (ص120): " السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا باطن، السلام عليك يا ظاهر ".

وغلا أكثر من ذلك، فذكر ("الذخائر المحمدية" (ص203)) من الخصائص النبوية أنه صلى الله عليه وسلم " سمي من أسماء الله تعالى بنحو سبعين اسماً ".

ثم لم يكفه ذلك الغلو فانتهى به الحال إلى أن قال ("شفاء الفؤاد" (ص126)): "فالأسماء الإلهية له أيضاً أسماء".

فأشرك النبي صلى الله عليه وسلم مع الله في كل أسمائه الحسنى، إمعاناً في الكفر والشرك والضلال وإنكاراً للمعلوم ضرورة من دين الإسلام.

قال الله في محكم التنزيل: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) (الأعراف:180).

قال ابن جرير – رحمه الله – ("تفسير ابن جرير" (13/ 282)): " أصل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد، والجور عنه، والإعراض. ثم يستعمل في معوج غير مستقيم، ولذلك قيل للحد القبر: لحد، لأنه في ناحية منه، وليس في وسطه ".

وذكر ابن جرير وغيره من المفسرين (انظر "فتح القدير" (2/ 268)) أن إلحاد المشركين في أسماء الله كان بعدولهم بها عما هي عليه، فاشتقوا منها أسماء لآلهتهم كتسمتهم اللات من "الله" والعزى من "العزيز" ومناة من "المنان".

وذكر ابن القيم رحمه الله من أنواع الإلحاد في أسماء الله: أن يسمى الأصنام بها، كتسمية المشركين اللات من الإلهية والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلهاً. قال ("بدائع الفوائد" (1/ 169)): " وهذا إلحاد حقيقة، فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة ".

قلت: فإذا كانت تسمية الأصنام والأوثان ببعض أسماء الله عز وجل، ولو كانت اسماً واحداً، يعد إلحاداً وكفراً وشركاً، فكيف بمن سمَّى مخلوقاً بكل أسماء الله؟!

وإذا كان اشتقاق اسم من الأسماء الحسنى وإطلاقه على المعبود من دون الله، كاللات والعزى، يلحق فاعله بالمشركين ويصيره في عداد الملحدين المتوعدين بالعقاب، فكيف بمن أطلق نفس الأسماء الإلهية على المخلوق، فسماه الأول والآخر والظاهر والباطن، إلى أن أوصلها إلى السبعين؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير