أمن وحي السنة والقرآن؟ أم من قرائح الهذيان وأوهام الأذهان؟ أم هو من وحي الكهان؟ (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء) (الأنعام:93).
ثم من تُراه أمر بذلك السجود؟ آلله؟ (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) (الأعراف:28).
أم فعلته الملائكة من غير أمر ولا إذن؟ كلا (بل عباد مكرمون. لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) (الأنبياء:26، 27)، قال ابن كثير – رحمه الله - ("تفسير ابن كثير" (3/ 176)): " أي لا يتقدمون بين يديه بأمر ولا يخالفونه فيما أمرهم بل يبادرون إلى فعله ".
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت: (وما نتنزل إلا بأمر ربك، له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسياً) رواه البخاري (8/ 428).
قال الحافظ ابن حجر ("فتح الباري" (8/ 429)): "الأمر في هذه الآية معناه الإذن بدليل سبب النزول المذكور".
قلت: فإذا كانوا لا يجترئون على زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، مجرد زيارة، إلا بإذن من الله جل وعلا، فما بالك بالسجود والخضوع والتعظيم والبكاء الذي لم يؤذن لهم فيه البتة ولا ينبغي إلا للواحد الأحد سبحانه وتعالى؟!
تكميل: قول المخالف: "كلما لحت للملائك خروا في السموات سجداً وبكياً " يعني به ليلة المعراج عندما اجتاز النبي صلى الله عليه وسلم السموات السبع، وهو مع ما فيه من الظلم والبغي والعدوان، ففيه أيضاً تكذيب صريح لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، في حديثه عن الإسراء والمعراج: "فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء: افتح، قال من هذا؟ قال هذا جبريل، قال هل معك من أحد؟ قال: نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم، فقال أوَ أرسل إليه؟ قال: نعم. فلما فتح علونا السماء الدنيا .. " الحديث متفق عليه "اللؤلؤ والمرجان" (1/ 35).
وجاء في حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه، قوله: " فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا، قيل من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل مرحباً به ولنعم المجيء جاء " إلى أن قال: "فأتينا السماء الثانية، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من معك؟ قال: محمد. قيل: أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء .. " الحديث (متفق عليه "اللؤلؤ والمرجان" (1/ 37)) وذكر مثل ذلك في بقية السموات.
فإن قيل: كيف تعدون سجود الملائكة للنبي صلى الله عليه وسلم شركاً، وهم قد سجدوا لآدم عليه السلام؟
فالجواب من وجوه:
الأول: أن سجود الملائكة لآدم كان طاعة لله وعبادة له، وهو تشريف وتكريم لآدم عليه السلام.
قال ابن جرير ("تفسير ابن جرير" (1/ 512)): " كان سجود الملائكة لآدم تكرمة لآدم وطاعة لله، لا عبادة لآدم " ثم روى بإسناده عن قتادة أنه قال: " فكانت الطاعة لله والسجدة لآدم، أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ("مجموع الفتاوى" (4/ 460 - 461)): " أما السجود فشريعة من الشرائع، إذ أمرنا الله تعالى أن نسجد له، ولو أمرنا أن نسجد لأحد من خلقه غيره لسجدنا لذلك الغير طاعة لله عز وجل.
فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة له وقربة يتقربون بها إليه، وهو لآدم تشريف وتكريم وتعظيم، وسجود أخوة يوسف له تحية وسلام " اهـ.
قلت: ومما يدل على أن سجود الملائكة لآدم تكريم له، احتجاج إبليس اللعين على ربه حين امتنع عن السجود، فقال: (أأسجد لمن خلقت طيناً. قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً) (الإسراء:61 - 62).
فإذا تقرر أن السجود لآدم كان تكريماً له لا غير، وأنه كان بأمر الله وإذنه، فقياس غيره عليه شرك في التشريع كما هو ظاهر، وبمثل هذا القياس الفاسد كان ضلال أكثر الأمم.
قال الله عز وجل: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (الشورى:21).
¥