تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالمصلحة التي لم ينصّ عليها لا بد أن تكون قائمة على حفظ مقاصد التشريع الخمسة: حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال، وكل ما يفوت هذه الأصول أو بعضها فهو مفسدة، ثم إن درجة حفظ هذه المقاصد يتدرج إلى ثلاث مراحل بحسب الأهمية، وهي ما أطلق عليه علماء الأصول اسم: الضروريّات والحاجيّات والتحسينيّات (9).

فكل حكم تشريعي في الإسلام لا يخرج عن هذه المقاصد نُص عيه أو لم ينص عليه؛ بمعنى دلت عليه الأدلة الأخرى ومنها المصلحة المرسلة وذلك لاندراجها تحت نوع من تلك المقاصد الشرعية المعتبرة.

ثانياً: أن لا تخالف نصوص الكتاب والسنة.

ويدل على ذلك عقلاً: أن المصلحة ليست بذاتها دليل مستقل بل هي مجموع جزئيات الأدلة التفصيلية من القرآن والسنة التي تقوم على حفظ الكليات الخمس، فيستحيل عقلاً أن تخالف المصلحة مدلولها، أو تعارضه، وقد أثبتنا حجّيتها عن طريقه، وذلك من قبيل معارضة المدلول لدليله إذا جاء بما يخالفه وهو باطل.

وقد دل على ذلك من القرآن قوله تعالى:?وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ? (10) وقوله تعالى?فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ? () وقوله تعالى: ?وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ? (11).

فاعتبار المصلحة ورد الكتاب والسنة من تحكيم الهوى وهو منازعة لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فلا تعتبر المصالح الموهومة غير المستندة إلى نص، وفيها معارضة للكتاب والسنة مثل مصلحة إيجاب الصيام في كفارة الجماع بدل عتق الرقبة في حق الغني، كما أفتى بذلك القاضي يحيى بن يحيى الليثي ـ رحمه الله ـ لوالي الأندلس في عصره.

ومثال ذلك: تحليل الربا باعتباره مصلحة اقتصادية مهمة، وإباحة الزنا وبيع الخمور تشجيعاً للسياحة واستقطاب الأموال.

ومثاله أيضاً: من ذهب إلى القول بنقل صلاة الجمعة إلى يوم الأحد في البلاد الكافرة.

ومثاله أيضاً إلقاء الرخص الشرعية لعدم الحاجة إليها في عصرنا الحاضر كالقصر والفطر في السفر، أو التسوية بين البنت والابن في الميراث بدعوى المصلحة، وغيرها من الأمثلة الكثيرة (12)

وقد خالف في ذلك الإمام الطوفي ـ رحمه الله ـ كما اشتهر عنه, حيث نادى بجواز تقديم المصلحة مطلقاً على النص والإجماع عند معارضتها لهما (13)

وهذا القول لا شك أنه يؤدي إلى تعطيل الشريعة بنظرٍ اجتهاديٍ عقليٍ محض يجعل المجتهد أو الناظر في النصوص يقبل ما شاء منها، ويرد ما شاء بزعم أنها تخالف المصلحة التي يراها من خلال ظنه وهواه، فالمصلحة إذا عارضت النص والإجماع تعتبر ملغاة ولا يعتد بها، ولذلك قال الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- ضمن حديثه عن المصلحة المرسلة:» ألا تكون المصلحة في الأحكام التي لا تتغير كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات والحدود والمقدرات الشرعية، ويدخل في ذلك الأحكام المنصوص عليها والمجمع عليها، وما لا يجوز فيه الاجتهاد «(14).

فالمصلحة إذا خالفت ما هو منصوص عليه أو مجمع عليه فهي فاسدة غير معتبرة.

ثالثاً: أن تكون المصلحة يقينية:

بمعنى أن يعلم المجتهد أو الناظر في اعتبارها قطعيّة وجودها لا أن يظن أو يتوهم أويشك وجود المصلحة المبحوثة في المسألة، ثم يحكم باعتبارها من خلال هذا الظن غير المعتبر في الشرع.

وقد ذكر الإمام الغزالي -رحمه الله- هذا الشرط وذكره من خلال أمثلة من ذلك؛ ما لو تترس الكفار في قلعة بمسلم فقد قال رحمه الله:» لا يحل رمي الترس – أي هذا المسلم الذي تترسوا به – إذ لا ضرورة فبنا غُنية فنعدل عنها، إذ لم نقطع بظفرنا بها، لأنها ليست قطعية بل ظنية «(15)، وقال في صدد منع قطع المضطر قطعة من فخذه ليأكلها إلى أن يجد الطعام:» لكن ربما يكون القطع سبباً ظاهراً في الهلاك يمنع منه؛ لأنه ليس فيه تعيين الخلاص فلا تكون المصلحة قطعيّة «(16)

أما إذا كان الظن بوجود المصلحة ظناً راجحاً ناشئاً عن الاجتهاد فإنه يُنزّل منزلة اليقين؛ لأن غلبة الظن معتبرة شرعاً إذا عدم القطع (17)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير