تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولهذا لا اختلاف ولا تعارض بين ما أمر به الكتاب العزيز، ونهت عنه السُّنَّة المُشرَّفة لأنَّ اتِّفاق الَّلفظيين، لا يعني اتِّفاق المعنيين وهذا ما أكَّده وركَّز عليه ابن خُزَيمة حيث قال (3): (باب الأمر بالسَّكِينة في المشي إلى الجُمُعة، والنَّهي عن السَّعي إليها والدَّليل على أنَّ الاسم الواحد يقع على فعلين يُؤمر بأحدهما ويُزْجر عن الآخر بالاسم الواحد، فمن لا يفهم العلم ولا يُميِّز بين المعنيين قد يخطر بباله أنَّهما مختلفان، قد أمر الله- عزَّوجلَّ-في نصِّ كتابه بالسَّعي إلى الجمعة في قوله {يَا أيُّهَا الّذِيْن آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاِة مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إلىذِكْرِاللهِ} والنَّبيُّ المصطفى- صلّى الله عليه وسلّم - قد نهى عن السَّعي إلى الصَّلاة فقال - صلّى الله عليه وسلّم -: " إذَا أتيْتُم الصَّلاة فَعَلَيْكُم السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ " وقال - صلّى الله عليه وسلّم -:" فَإِذَا أتَيْتم الصَّلاة فلا تَسْعُوا إليهَا وامْشُوا وَعَلَيْكُم السَّكِيْنَةُ ".

فالله- عزَّوجلَّ -أمر بالسَّعي إلى الجُمُعة، والنَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - قد نهى عن السَّعي إلى الصَّلاة. فالسَّعي الّذي أمر الله به إلى الجمعة هو المُضيُّ إليها، غير السَّعي الَّذي زجر النَّبي - صلّى الله عليه وسلّم - في إثبات الصَّلاة، لأنَّ السَّعي الَّذي زجر النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - هوالخَبب وشدَّة المشي إلى الصَّلاة الّذي هو ضدّ الوقار والسَّكينة، فما أمر الله- عزَّ وجل به غير ما زجر النَّبي - صلّى الله عليه وسلّم - عنه، وإن كان الاسم الواحد يقع عليهما جميعاً).

وكلُّ ما قدَّمته عن السعي والمراد بكلٍّ منهما في القرآن وفي الحديث تؤيِّده الُّلغة ويعضده فهم الُّلغويين، حيث قال ابن منظورٍ (1): (السَّعي: عَدْوٌ دون الشَّدِّ، سعى يسعى سعياً، وفي الحديث: " إذا أقيمت الصَّلاة .... "، فالسَّعي هنا العدْو، سعى إذا عدا، وسعى إذا مشى، وسعى إذا عمل وسعى إذا قصد، وإذا كان بمعنى المُضِيِّ عُدِّي بإلى، وإذا كان بمعنى العمل عُدِّيَ بالَّلام، والسَّعي: القصد، وبذلك فُسِّر قوله تعالى: فاسعوا إلى ذكر الله، وليس من السَّعي الّذي هو العَدْو).

المطلب الثَّاني: توهُّم تعارض مفهوم الكتاب مع صريح السُّنَّة:

وهو ما تتعارض فيه دلالة السُّنَّة الصَّريحة مع ما يفهم من القرآن الكريم، ومثال ذلك: قول رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم -: الوَائِدَةُ وَالمّؤودَةُ فِي النَّار(2) “ وهناك رواياتٌ أُخرى بزيادة: "إلاّ أنْ تُدْرِكَ الوَائِدَةُ الإسلامَ فَتُسْلِمَ ".

فدلالة هذا الحديث الصَّريحة تقول أنَّ الوائدة والمؤودة كلتاهما في النَّار، وهذا يعارضه ويضادُّه مفهوم قول الله تعالى: {وَإِذَا المَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} إذ يُفهم من قول الله هذا أنَّ الموؤدة لا ذنب لها فتُقتل، وهذا السُّؤال إنَّما هو ذمٌ وتقريعٌ لقاتلها، كونه قتلها بلا سببٍ. قال الرَّازي وغيره: "وسؤالها هو على وجه التَّبكيت لقاتِلها ". وقد استدلَّ ابن عبَّاس بهذه الآية على أنَّ أطفال المشركين في الجنَّة إن صحَّت الرِّواية عنه؟!.

ممَّا تقدَّم يتَبيَّن أنَّ الاختلاف واضحٌ جليٌّ، والتَّعارض واقعٌ ملموسٌ، ولا يمكن إزالته بكلمةٍ أو جملةٍ، وقد خاض العلماء في هذين النَّصَّين لمحاولة التَّوفيق بينهما والتَّقريب بين مدلوليهما، فبعضهم اكتفى بالنَّظر إلى الأسانيد فحسب وحكم من خلالها بضعف الحديث، وبعضهم خاض في المتن لدفع الاستشكال عنه.

وقد توسَّع الدَّارقُطنِي (1) في إيراد أسانيد الحديث ليُبيِّن اختلافها واضطرابها، والكشف عن عللها وضعفها، وكذا فعل البُخاريُّ (2) عندما روى الحديث.

فذكر الدَّارقُطنِيُّ أن هذا الحديث روي مرسلاً عن الشَّعْبيِّ، وروى عن الشَّعْبيِّ عن علْقَمة، عن عبد الله بن مسعود، واختُلف فيه عن ابن مسعودٍ في رواياتٍ كثيرةٍ. ورُوي مُتَّصلاً عن الشَّعْبيِّ عن ابني مُلَيْكَة، واخْتُلف فيه عن ابنيْ مُلَيْكَة كذلك، فبعضهم أدخل عَلْقَمة بين الشَّعْبيِّ وبينهما، وبعضهم زاد كذلك ابن مسعود، إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة الّتي ذكرها الدَّارقُطنيُّ، ونبَّه على أغلبها البُخاريُّ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير