تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا التَّلوُّن الشَّديد في الحديث مع اتِّحاد مخرجِهِ يُسوِّغ قول من ضعَّفَهُ وردَّه بمخالفة الأَحاديث الصَّحيحة ومفهوم الآيات.

ولهذا فقد قال ابن الوزير (3): “وقد بالَغتُ بالبحث عن صحَّة هذا الحديث حتَّى وجدتُ ما يمنع القطع بصحَّتهِ، فسقط الاحتجاج به وللّه الحمد (4).

والحديث المقصود هو حديث سَلَمة بن يزيد الجُعْفِيِّ وأخيه، إذ هو الوحيد الَّذي ظهر أنَّه ذو إسنادٍ لا بأس به، كما قال ابن القَيِّم (5).

أمَّا باقي الأحاديث الَّتِي تنُصُّ على دخول أطفال المشركين النَّار فهي ضعِيفةٌ، كما قال السُّبكِيُّ (1) واستثنى حديث سلمة بن يَزِيدٍ، وقال: " فإنَّه صحيح الإسناد، لكنَّهُ غير عامٍّ، وإنَّما هو نصٌّ في موؤدةٍ بعينها، فاحتمل التَّأويل.

ولو ترجَّحَ ضعف الحديث على صحَّتِهِ لاكتفيت بإيراد ما أوردت، ولاستغنيت عن إيراد الأوجه والاحتمالات الّتي يمكن أن يُحمل الحديث عليها، كما أنَّ الحديث لم يصل إلى المرتبة العُليا من الصَّحيح.

ولهذا فسأذكر بعض الأقوال في توجيهِهِ، وقد تكون هذه الأقوال قريبةً لكنَّنِي لا أتبنَّاها، أو تكون ضعيفةً فأُنبِّه عليها.

قال ابن عبد البَرِّ (2) عن الحديث - أي حديث ابني مُلَيْكة -: "وهو صحيح الإسناد، إلاَّ أنَّه مُحتملٌ أن يكون خرج على جواب السَّائل في عينٍ مقصودةٍ، فكانت الإشارة إليها، وهذا أولى ما حُمل عليه هذا الحديث لمعارضةِ الآثار له، وعلى هذا يصحُّ معناه واللّه أعلم".

وقد فسَّر ابن حَزْمٍ كيف يكون هذا الحديث خاصَّاً بحادثة عينٍ فقال (3): "وهذه اللَّفظَة - يعني لم تبلغ الحِنْث - ليست بلا شكٍّ من كلام رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - ولكنَّها من كلام سلَمة ابن يزيدٍ الجُعْفيِّ وأخيه، فلمَّا أخبر - عليه السَّلام - بأنَّ تلك الموؤدة في النَّار كان ذلك إنكاراً وإبطالاً لقولهما: إنَّها لم تبلغ الحِنْث وتصحيحاً، لأنَّها قد كانت بلغت الحِنْث بخلاف ظنِّهما ... وهذا القول حكاه ابن الوزير (4) - على فَرَضِ صِحَّة الحديث - لأنَّه قد مرَّ معنا قبل قليل أنَّه يُضَعِّف الحديث.

وهذا أولى ما حُمِل الحديث عليه عند من ارتَضَوهُ سنداً، ولقد أشْكَلَ على البعض هذا التَّوجِيهِ بِحمْلِ الحديث على الخُصُوصِيَّة، ولكن عند البحث والتَّنْقِيب لا نرى إشكالاً في الأمر، بل إِنَّ الجُنُوح لهذا التَّفسير أولى من بعض التَّفسيرات البعيدة والمُتكلَّفة.

وبيان ذلك بمعرفة ماذا كان يُقصد بالوأد عند العرب، وكيف كانوا يَئِدون.

وعند التَّساؤل الأولي: ما هو الوأد؟ قد تكون الأجابة حاضرةً: هو دفن البنت في حالة الحياة خوف الفقر أو العار. ولكنَّ هذه الإجابة غير كافيةٍ، ولابُدَّ من الرُّجوع للمصادر لمعرفة مرادهم بذلك، ومن الَّذِي كان يقوم بالوأد، ومن كان يستعمله منهم؟

يقول د. جوادعلي (1): "الوأد كان مستعملاً في قبائل العرب قاطِبةً، فكان يستعمله واحدٌ ويتركه عشرةٌ، فجاء الإسلام وقد قلَّ ذلك منها إلاَّ من بني تميمٍ، فإنَّهم تزايد فيهم ذلك قُبيل الإسلام، وقبيلة كِنْدة، وقيس، وأسد، وهُذَيل، وبكرُوائلٍ من القبائل الَّتي عُرف فيها الوأد".

وقد كان العرب في الجاهلية يَئِدون أولادهم بطريقتين (2): إمَّا أن تأتي المرأة إلى حُفرةٍ وتَلِدَ عندها فإن كان ولداً أمسكوه، وإن كانت بنتاً رمَوْها في الحفرة وأهالوا عليها التُّراب، وإمَّا أن يتركوها تكبر حتَّى تبلع ستَّ سنواتٍ، فيأخذها أبوها ويئدها، وفي الغالب كان الأب يقوم بهذا العمل.

فالوأد عمليةٌ مشتركةٌ قد يقوم بها الأب، أو الأمُّ، ولكلٍ منهما طريقةٌ، ونصيب الأب فيها أكثر، فلو كان الحديث عامَّاً لكان نصُّه: الوائد والموؤدة في النَّار، ولكن لمَّا لم يكن كذلك، والوائدة هنا لم تكن قد وأدت ابنتها بالطَّريقة المعهودة - أي عند الولادة - فصبرت عليها حتَّى كبرت - وهو المفهوم من كلام السَّائِلين - لم تبلع الحِنْث - ووأدتها بنفسها بطريقة لم تُعهد للنِّساء، كانت دعوى الخُصوصِيَّة وجِيهةً، ولا غرابة فيها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير