تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وسبب الخِلاف معارضةُ عُموم الآيةِ بهذا الخبر، فعموم الآية قوله تعالى: من استطاع اليه سبيلا* يقتضي الوجوب وإنْ لم يكن ذو مَحرمٍ، والحديث يُخصِّصُ ذلك، فمَنْ خصَّصَ الآية به اشترط المَحرم، ومَنْ لم يُخصِّصْها لم يشترط، وقد يَحْمل مالك الحديث على سفر التَّطَوُّع.

ويُؤيِّد مذهبه أيضاً أن يقول: اتُّفِق على أنَّ عليها أن تهاجر من دار الكفر وإنْ لم يكن معها ذو مَحرمٍ لمَّا كان سفراً واجباً، وكذلك الحجُّ. وقد ينفصل عن هذا بأن يقال: إقامتها في دار الكفر لا تَحِلُّ ويُخشى على دينها ونفسها، وليس كذلك التَّأخير عن الحجِّ”.

وأرى أنَّ مَن جمع بين المُتعارضين بحَمْلهما على العُموم والخُصوص فيكون الحديث مُخصِّصاً للآية أقرب للصَّواب من غيره، ولهذا فقد خالف الإمام النَّوَويُّ مذهبه ورجَّح رأي

(1) 3/ 472 - 473 (2) المعلم: 1/ 369.

(6) شرح صحيح مسلم:9/ 104.

الجمهور الَّذي لا يرى جواز سفر المرأة للحجِّ إلاّ مع زوجٍ أو مَحرمٍ وقال (6):"وهذا هو الصَّحيح للأحاديث الصَّحيحة".

المبحث الثَّاني: تعارض الحديثين

إنَّ التَّعارض بين الأحاديث هو ميدان هذا الفنِّ الأكبر، بل إنَّ الذِّهنَ لينصرف إليه عند سماع كلمة تعارض، وما ذلك إلاّ لكثرته واشتهاره، ولمّا كان الحديث يشمل القول والفعل والتَّقرير، فإنَّ القول قد يتعارض مع القول أو القول مع الفعل، أو القول والفعل مع التَّقرير، وهذه الأمور سوف يكون عليها مدار الكلام في هذا المبحث.

المطلب الأوّل: تعارض القولين:

وهذا الّلون من التَّعارض موجودٌ بكثرةٍ كما مرَّ قبل قليلٍ، وهذا التَّعارض قد يكون صريحاً منطوقاً به في كلا الحديثين، وقد يكون صريحاً في حديثٍ، غير صريحٍ في آخر لكنَّ مفهومه يدلُّ على التَّعارض، وهذه أمثلةٌ على ذلك.

أولاً: ورود التَّعارض بين قولين لفظهما صريحٌ، ومثاله: قول النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم -: "لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلاّ فِي فَرِيْضَةٍ، وَإنْ لَمْ يَجِدْ أحَدُكُمْ إلاّ عُودَ كَرْمٍ أوْ لِحَاءَ شَجَرَةٍ فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ" (1).

وهذا الحديث يتعارض مع أحاديث مُتنوِّعةٍ تُجيز صيام السَّبت، ومنها الحديث الّذي أشار إليه الحاكم بأنَّه معارضٌ لهذا الحديث، حيث قال عند روايته (2):"صحيحٌ على شرط

(1) رُوي هذا الحديث عن عبد الله بن بُسرٍ، وعن أخته الصَّمَّاء بنت بُسرٍ، أمَّا حديث الصَّمَّاء بنت بُسرٍ عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - فقد رواه: أبو داود، الصوم /باب النهي أن يخصَّ يوم الجمعة بصومٍ: 2/ 320 - 321 رقم (2421) والتِّرمِذي الصوم / ما جاء في صوم يوم السبت:3/ 120 رقم (744)، وابن ماجه، الصيام / 38 ما جاء في صيام يوم السبت:1/ 550 رقم (1726 مكرر)، والدَّارميُّ، الصوم / في صيام يوم السبت:2/ 19، وأحمد في "المسند":6/ 368، والطَّحاوي في "شرح معاني الآثار":2/ 80، وابن خُزَيمة في "الصحيح":3/ 317 رقم (2164)، والحاكم في "المستدرك":1/ 435 وقال: هذا صحيحٌ على شرط البُخاري ولم يخرِّجاه، وله مُعارضٌ بإسنادٍ صحيحٍ، والطَّبراني في "المعجم الكبير":24/ 257 - 260، وفي "مسند الشَّاميين":1/ 245 - 246 رقم (434) والبَيْهقيُّ في "السنن الكبرى": 4/ 302. وأمَّا حديث عبد الله بن بُسرٍ فقد رواه ابن ماجه في "السنن":1/ 550 رقم (1726)، والنَّسائي في "السنن الكبرى":2/ 143، وأحمد في "المسند":4/ 189 وعَبْد بن حُميد في "المنتخب":182،رقم (508) وابن حِبَّان في" الصحيح "كما في "الإحسان":8/ 379 - 380 رقم (3615)، وأبو نُعيم في "الحلية":5/ 218، وتمَّام في "الفوائد" انظر: "الروض البسّام":2/ 200، دار البشائر الإسلامية - بيروت، ط الأولى 1410هـ/1989م. وبوّب له بـ "باب النَّهي عن إفراد يوم السَّبت بالصِّيام".

البُخاريِّ ولم يُخرِّجاه، وله مُعارضٌ بإسنادٍ صحيحٍ قد أخرجاه (1): حديث همام عن قتادة عن أبي أيوبٍ العَتَكِيِّ، عن جُويْرِيَّة بنت الحارث أنَّ النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - دخل عليها يوم الجُمعة وهي صائمةٌ فقال: "صُمْتِ أمْسِ قالت: لا، قال: "فَتُرِيْدِينَ أنْ تَصُومِي غَدَاً "؟ الحديث.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير