تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ون_قل ابن حَجرٍ (3) هذا الرَّأي مرتضياً له، وقال: ويقوّيه ما رواه النَّسائي (4) من طريق الأغر، عن أبي هُريرة وأبي سعيد بلفظ: ((إنَّ الله يُمْهِل حتّى يمضِى شطْرُ الليلِ ثُمَّ يأمر مُنادياً فيقول .. )). ولم يذكر ابن حجر أو غيره، عن أيِّ راوٍ من رواة صحيح البُخاري هذا الضَّبط لهذه اللفظة، واقتصر محقِّق "دفع شبه التشبيه" (5) على لفظ "يُنْزِلُ"!! وهو غير ثابتٍ، وغيُر معروفٍ قائِلُه، وحاول أنْ يُلصِق هذا القول بابن حجر، والحال أنَّ ابن حَجَرٍ قد نقله عن ابن فُورك.

(3) فتح الباري: 3/ 30.

(4) عمل اليوم والليلة: 140 رقم (482) تحقيق: فاروق حمادة، مكتبة المعارف - الرباط ط الأولى 1401هـ/1981م. واخرجه كذلك عبد الرزاق في "المصنف":10/ 445.

(5) من تأليف ابن الجوزي، وتحقيقه الجديد الصادر عن دار الامام النووي سنة 1413هـ/1993 سقيم وغير علمي.

ثُمَّ إنَّ الأصبهانيَّ (1) قال في "الحجه" (2): ((ذكر علي بن عمر الحَرْبي (3) في كتاب "السُّنة" أنَّ الله تعالى يَنزِل كلَّ ليلةٍ إلى سماء الدُّنيا، قاله النبي - صلّى الله عليه وسلّم - من غير أن يقال كيف.

فان قيل: يَنْزِل أو يُنْزِل؟ قيل: يَنْزِل - بفتح الياء وكسر الزاي -، ومن قال: يُنْزِل - بضم الياء فقد ابتدع)). ويؤيِّده لفظ البُخاري كما في الدَّعوات والتَّوحيد: "يتنزَّل".

أمَّا جمهور السَّلف وأهل الحديث فإنَّهم يُقرُّون بنزول الله - سبحانه وتعالى - نُزولاً يليق به، دون تشبيهٍ بمخلوقٍ ولا تكييف.

قال الصَّابونيُّ (4): ((وثبَّت أصحاب الحديث نزول الرَّب سبحانه وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدُّنيا، من غير تشبيهٍ بنزول المخلوقين، ولا تمثيلٍ ولا تكييف، بل يُثبتون ما أثبته رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وينتهون فيه إليه، ويُمرُّون الخبر الصَّحيح الوارد ذكره على ظاهرِهِ، ويكون علمه إلى الله)).

وروى البَيْهقيُّ (15) عن الأوزاعِيِّ، ومالك، وسفيان الثَّوري، والليث بن سعد أنَّهم قالوا في هذه الأحاديث: أمِرُّوها كما جاءت بلا كيفيَّةٍ.

والملاحظ أنَّ من نفى الأحاديث وأنكرها قد انطلق من التَّشبيه، وكذا من أوَّل وحاول صرف الألفاظ عن ظواهرها، لأنَّ التَّشبيه قد تبادر لأذهان هؤلاء فاضطروا للإنكار والتَّأويل.

(1) هو اسماعيل بن محمد الأصباهني، ابو القاسم، الملقب بقوام السنة، من الاعلام في الحديث والتفسير، وله تصانيف في كليهما، توفي سنة (535هـ/1141م)

انظر ترجمته: السمعاني - الانساب:2/ 120 - 121، ابن نقطة - التقييد: 210 - 211 وابن الفوطي - مجمع الاداب:4/ 4/768 تحقيق: د. مصطفى جواد (الجزء الرابع منه في اربعة اقسام) طبعته وزارة الثقافة - سوريا، والذهبي - تذكرة الحفاظ: 4/ 1277 - 1281 وسير اعلام النبلاء: 20/ 80 - 89، والداوودي - طبقات المفسرين: 1/ 114 - 115.

(2) الحجة في بيان المحجة:1/ 248.

(3) هو الامام العارف، ابو الحسن علي بن عمر بن محمد البغدادي الحربي الزاهد، ابو الحسن القزويني، له عدد من المصنفات في الحديث، توفي سنة (442هـ/1050م)

انزظر ترجمته: الخطيب - تاريخ بغداد: 12/ 43، ابن الجوزي - المنتظمك: () السمعاني - الانساب: 4/ 494، والرافعي - التدوين: 3/ 387. والذهبي - سير اعلام النبلاء: 17/ 609 - 613، والسبكي - طبقات الشافعية: 5/ 260 - 266.

(4) عقيدة السلف اصحاب الحديث: 21.

(15) الاسماء والصفات: 453، علق عليه: محمد زاهد الكوثري، دار احياء التراث العربي - بيروت:

والذي به أجزم أنَّ الفئة الوحيدة التي برئت من التَّشبيه هي التي أثبتت لله - سبحانه - هذه الصفات وآمنت بها وأقرت، وفوَّضت كيفيتها لله - سبحانه وتعالى - وهو مذهب جمهور السَّلف، وبه أقول واعتقد فهم المنزِّهون حقاً.

ولهذا فمقولة: مذهب السَّلف أسلم، ومذهب الخلَف أحكم غير سليمةٍ، ((فمذهب السَّلف أسلم، ودع ما قيل من أنَّ مذهب الخلَف أعلم، فإنَّه من زُخرف الأقاويل، وتحيُّن الأباطيل، فإنَّ أولئك قد شاهدوا الرَّسول والتَّنزيل، وهم أدرى بما نزل به الأمين جبريل)) (1).

وما ينطبق على هذا الحديث من بحثٍ ينطبق على غيره من أحاديث الصِّفات، فظهر أنَّ التَّعارض مع قاعدة التَّنزيه، في هذا الباب متساقطٌ مرجوحٌ.

ثانياً: تنزيه الله عن التَّحيُّز والمكان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير