تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أمثلة هذا الضَّرب من الأحاديث ما رواه البُخاريُّ (1) ومُسلمٌ (2) عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: ((يَنْزِلُ رَبُّنَا - تَبارك وتعالى - كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّيْنَا حِيْنَ يَبْقَى ثُلُثُ الّليلِ الآخِر يقُول: مَنْ يَدْعُوني فَأسْتَجِيْب لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَه، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ)).

فمع اتِّفاق الجميع - كما قدَّمت - على التَّنزيه، الا إنَّ طرائق تناولهم لهذا الحديث وأشباهِهِ قد اختلفت وتباينت وتنوَّعت.

قال ابن حَجَرٍ (3): ((وقد اختُلِف في معنى النزول على أقوالٍ؛ فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبِّهة - تعالى الله عن قولهم ـ. ومنهم من أنكر صحة الأحاديث

(1) الصحيح، النهجد/ باب14:2/ 47،والدعوات/14: 7/ 149 - 150، والتوحيد/ 35: 8/ 197.

(2) الصحيح، صلاة المسافرين / الدعاء والذكر آخر الليل: 1/ 521 رقم (758) واخرجه كذلك أبو داود،الصلاة / أي الليل أفضل:2/ 34 رقم (1315) و 4/ 234 رقم (4733)، والترمذي،الصلاة /329 ما جاء في نزول الرب عزوجل:2/ 307ـ 308 رقم 446، وابن ماجه،إقامة الصلاة / 182:1/ 435 رقم 1366، ومالكالقرآن / ما جاء في الدعاء:1/ 176، وأحمد في "المسند":2/ 264،487،504، وابن ابي عاصم في "السنة":1/ 217 - 218، وابن خزيمة في "التوحيد":128 - 130 تحقيق محمد خليل هراس، دار الجيل -بيروت، ومكتبة الكليات الازهرية - القاهرة 1408هـ/1988م، والآجري في الشريعة": 308 - 310. والدارقطني في "النزول":114 رقم 30، وما بعدها وقبلها، تحقيق: د. علي بن محمد الفقيهي، 1403هـ/1983.

(3) فتح الباري: 3/ 30.

الواردة في ذلك جملةً وهم الخوارج والمعتزلة، وهو مكابرةٌ، والعجب أنَّهم أوَّلوا ما في القرآن من نحو ذلك،وأنكروا ما في الحديث إمَّا جهلاً وإمَّا عناداً.

ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال، مُنزِّهاً الله تعالى عن الكيفيَّة والتَّشبيه وهم جمهور السَّلف، ومنهم من أوَّله على وجهٍ يليق مُستعملٍ في كلام العرب، ومنهم من أفرط في التَّأويل حتى كاد يخرج إلى نوعٍ من التَّحريف)).

فالمعتزلة ينفون هذا الحديث، لأنَّه عندهم خبر آحادٍ، ويكفى لنفي صفةٍ لم تَرِد في القرآن أن يقولوا فيها أنَّها من أخبار الآحاد (4)!!. ولذلك عندما تعرَّض القاضي عبد الجبار (5) لتأويل بعض الصِّفات، لم يتعرَّض لصفاتٍ استقلَّت السُّنَّة بإثباتها.

ولهذا لم يتعرَّض لحديث النُّزول، ولا عرَّج عليه. مع أنَّ نظائر أكثر الآيات التي تعرَّضوا لها نطقت به السُّنَّة __.__

قال ابن فُورك (1): ((واعلم أنَّه قلَّما يَرِد في هذه الأخبار من أمثال هذه الألفاظ إلا ونظائِرها موجودةٌ في الكتاب. وهي إذا وردت في الكتاب محمولةٌ عندهم على التَّأويل الصَّحيح، مخرَّجه على الوجه الذي يليق بصفاته تعالى. وإذا وردت في الأخبار أبطلوها مناقضةً منهم لأصولهم كسائر مناقضاتهم في مذاهبهم المبيَّنة على آرائهم الفاسدة، ممّا لم يشهد بها كتابٌ ولا سنّةٌ ولا بان فيها اتِّفاق الأمَّة، وذلك لجحدهم سنن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - واستخفافهم بأهل النَّقل واستهاناتهم برواياتهم)).

أمَّا الخلَف، أو الأشاعرة والماتريديَّة، فإنَّهم يتأوَّلُون النُّزول على أكثر من تأويلٍ (2) أشهرها: أنَّ النُّزول نزول الأمر والرَّحمه، أو أنَّه يُنْزِل مَلَكاً فينادي ... الحديث.

وقد استدلوا لهذا بما ذكره ابن فُورك عن بعض أهل النَّقل بلفظ "يُنْزِل" لا "يَنْزِل" وقال: وذكر أنَّه ضبطه عمَّن سمعه من الثِّقات الضابط_ين ولم يذكر من هو هذا الّذي ضبط ذلك، ولا من هم الثِّقات الضَّابطون


.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير