تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[14] أن النفوس المريضة سريعة التصديق بوقوع الفواحش لشدّة اعتيادها ولأنها استمرأت الخبائث حتى غلبت على أسماعها وأبصارها وقلوبها. ولله در الشعر حيث قال:

ليس يخلو المرء من ضدِّ ولو بمقام الوصل والقرب اتّصل

كل من قد ساء فعلا ظنه ساء في كل جليل وأجلّْ

على حين تجد أن المؤمن غافل القلب واللسان والسمع عن ذلك , كما قالت زينب (أحمي سمعي وبصري) [13] بل تجده يتعجب من وقوع الجرائم بحيث يقدِّم رجلا ويؤخر أخرى في تصديقها. وأما العلماء والصالحون النبلاء فلا يقبل فيهم صرفاً ولا عدلاً كما هو شأن أبي أيوب وزوجه في تبرئة عائشة كما حكاه القرآن بالثناء (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين) وجاء اللوم والتوبيخ لمن صدّق عليهم إبليس ظنه وصدّقوا أن الصّدّيقة رضي الله عنها أم المؤمنين يقع ذلك منها, ومن سارع في نقل تلكم الأخبار الكاذبة (إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم) (يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين) فهاهنا سارع قوم جريج إلى عابدهم فكسروا صومعته, وقد جاء في (مسند أحمد) كما أفاد ابن حجر (ذكر بنو إسرائيل عبادة جريج, فقالت بغيّ منهم إن شئتم لأفتننّه قالوا قد شئنا. فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها) وما زال الناس يكيدون للصالحين بالكذب والزور و يُتبعون التهمة بالتهمة (ومكر أولئك هو يبور).

[15] أنّ المفزع في الأمور المهمة إلى الله يكون بالتوجه إليه في الصلاة كما أفاد ابن حجر رحمه الله تعالى. ورضي الله عن جُريج وخُبيب وسعيد بن جُبير حيث فوضوا أمرهم إلى الله كما قال يعقوب عليه السلام (إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله) هذه الآية التي بكى عندها عمر كما أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب إذا بكى الإمام (وقال عبد الله بن شداد سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ (إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله) وقد وصله سعيد بن منصور كما قال الحافظ في الفتح [14].

[16] أنّ حسن التوكل على الله سلاح العبد الصالح (وما لنا ألاّ نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرنّ على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون) قال ابن حجر: (فيه أنّ صاحب الصدق مع الله لا تضرّه الفتن, وفيه قوة يقين جريج المذكورة وصحة رجائه لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق, ولا صحّة رجائه بنطقه ما استنطقه) [15].

[17] أن المحرومين من ملكة النقد وميزان الاعتدال يظلّون في تخبّط وتخليط ومبالغة من النقيض إلى النقيض كما تراه ها هنا في موقف قوم جريج إذ تحوّلوا من إرغام أنف هذا العابد في الطين وكسر صومعته إلى طلبهم بناء الصومعة من ذهب.

[18] أن العباد الصالحين لا يعدلون بالتواضع شيئاً بل يرون الطين خيراً لهم من الذهب إذا جرّ عليهم الفتنة وذهاب الدين، ورحم الله جريجاً حيث قالوا له: (نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا إلاّ من طين)، وما ازداد المرء علماً إلاّ ازداد تواضعاً كما قال التقي السبكي وهو شيخ دار حديث الأشرفية:

وفي دار الحديث لطيف معنى على بسُطٍ لها أصبو وآوي

عسى أني أمسّ بحرِّ وجهي مكاناً مسه قدم النواوي

[19] أنّ المؤمن الفطن يؤسس عمله على التقوى وينأى به عن قرناء السّوء فهؤلاء أرادوا المشاركة في بناء الصومعة ليكون لهم بها سلطة على هذه المؤسسة العبادية وقدرة على هدمها من داخلها وهو ما عناه القرآن بقوله (وأنّ المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا) ورحم الله جُريجا فقد أدرك أنّ الصوامع لا تعمرها القلوب الفارغة (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) ولله درّه كيف حفظ أساس صومعته أن يُقوَّض، ومقصده العبادي أنْ يُحرَّف من قِبَل هؤلاء، لئلا يكون مع الذين (اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله) وصنيع جُريج في رفضه إشراك الأيدي المتنجّسة في بناء أساس صومعته يذكرنا بهدم النبي صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار والنفاق كما جاء عن القرآن (لا تقم فيه أبداً لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحبّ المطّهرين. أفمن أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوانٍ خيٌر أمّن أسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير