تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى هذا فالسَّحر: إمَّا خداعٌ وتمويهٌ أو أمراضٌ. وعلى الأخير يُحمل سحر النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - أي إنَّه من قبيل الأمراض، لامن قبيل السِّحر الّذي يُؤَثِّر على العقل فيَخْبَله، ويؤيِّد هذا ما استنتجه القُرطُبيُّ من الحديث حيث قال (1): " والشِّفاءُ إمَّا يكون برفع العِلَّة وزوال المرض .... ".

ثمَّ إنَّ ألفاظ الحديث قد أفصحت عن مدى تأثير السِّحر في النَّبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم - إذ قالت عائشة: إنَّه كان يُخيَّل إليه أنَّه يفعل الشَّيء ولا يفعله، وفي روايةٍ أُخرى: حتّى

(1) سورة الإسراء: 47.

(2) هو الإمام محمد بن أحمد، الخَزْرجي، الأندلسي، أبو عبد الله القُرطُبيُّ، له عدد من المُصنَّفات النَّافعة أجلّها تفسيره الكبير، توفي سنة (671 هـ - 1273 م).

انظر ترجمته: الكُتْبي - عيون التواريخ (الجزء الحادي والعشرون):27، تحقيق: نبيله عبد المنعم داود، ود. فيصل السامر، مطبوعات وزارة الثقافه والإعلام - الجمهوريه العراقيه، 1984م، والصَّفدي - الوافي بالوفيات: 2/ 122، وابن فَرْحون - الديباج المذهب: 317 - 318، والسُّيوطيُّ - طبقات المفسرين: 28، والدَّاودي - طبقات المفسرين: 2/ 69 - 70.

(3) الجامع لأحكام القرآن: 2/ 43 - 44.

(1) المصدر السابق: 46.

كان يرى أنَّه يأتي النِّساء ولا يأتيهنَّ. وفي روايةٍ عند عبد الرَّزاق (2) أنَّ الرَّسول - صلّى الله عليه وسلّم - حُبس عن عائشة خاصةً.

وفي حديث ابن عبّاس عند ابن سعدٍ (3): أنَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: مرض، وأُخذ عن النِّساء والطَّعام والشَّراب.

قال القاضي عِياض (4): فقد استبان من مضمون هذه الرِّوايات أنَّ السِّحر أنَّما تسلَّط على ظاهره وجوارحه، لا على قلبه واعتقاده وعقله، وأنَّه إنَّما أثَّر في بصره وحبسه عن وطء نسائه وطعامه، وأضعف جسمه وامرضه.

وعلى هذا فالسِّحر أمرٌ واقعٌ،وحقيقةٌ مُشاهدةٌ من خلال آثارها، وما وقع على الرَّسول - صلّى الله عليه وسلّم - منه لم يؤثِّر على عقله، أو على ما هو بصدده من التَّبليغ، لأنَّ الله - عزّوجلَّ - قد عصمه من هذا.

ثُمَّ إذا قمنا بالتَّمييز بين نوعين للعصمة يمكن إزالة الاختلاف، وفهم الحديث دون عناءٍ،أو إنكار لبعض الأحاديث، وذلك بالتَّمييز بين العصمة في التَّبليغ والفتوى ـ فهذه واجبة الإثبات ـ وبين العصمة في الأمور الدُّنيويَّة والبشرية ـوهذه يعتريه فيها ما يعتري بقيَّة البشر ـومنها إيذاؤه ومحاولة ضرِّه بما دون القتل.

وفائدة هذه الحادثة التَّأكيد على بشريَّة الرَّسول - صلّى الله عليه وسلّم - وأنَّه يعتريه ما يعتري البشر من مرضٍ وسحرٍ [غير مُؤثِّرٍ على العقل]، ولا حجَّة لمن أنكر هذا من المعاصرين والأقدمين سوى التعلُّق بآياتٍ محمَلها غير محمل الحديث، إذ قال المُفسِّرون عند قوله تعالى على لسان الكافرين -: {إنْ تَتَبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُورَاً} (1): أي " قد سُحِر وأُزِيل عن حدِّ الاعتدال" (2)، أو: " من المسحور الّذي قد خبل السِّحر عقله، وأفسد كلامه " (3). وهذا ما لم يقله حتّى أعداؤه، ولو حصل لفرحوا به وأذاعوه وأشاعوه.

(2) المصنف: 11/ 13، 14، رقم (19763 و 19765).

(3) انظر: الطبقات الكبرى: 2/ 198.

(4) انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 2/ 115، بتحقيق مجموعة من الباحثين، مكتبة الفارابي - دمشق ومؤسسة علوم القرآن - دمشق، سنة 1392 هـ.

(1) سورة الإسراء: 47.

(2) انظر: الزَّجَّاج - معاني القرآن: 3/ 241،تحقيق د. عبد الجليل عبده، عالم الكتب - بيروت،ط الأولى 1408هـ/1988م.

(3) انظر: ابن عطية - المحرر الوجيز: 10/ 303.

والبعض قد رفض الحديث بحجَّة عقله القاصر، لمّا لم يفهم المراد من الحديث، ولم يقف على رواياته وألفاظه، لأنَّه ليس من أهل الصَّنعة، بل لأنَّه لم يقف على ألفاظ الحديث من الكتب المشهوره والمتيسر’ لكل أحد، ولو وقفوا على الفاظه لما عاندوه (4).

(4) انظر: كلام محمد عبده في إنكار الحديث -الأعمال الكاملة:5/ 544 تحقيق: محمد عمارة، دار الشروق - بيروت والقاهرة، ط الأولى 1414 هـ 1993 م.

المبحث الثّاني

توهُّم تعارض الحديث مع القواعد الشَّرعيَّة الفِقهيَّة والأُصوليَّة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير