تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تتمَّةً لما تناولته في المبحث الأول من تعارض الحديث مع قواعد العقائد، فإنِّي سأتعرَّض في هذه الصَّفحات لتعارض الحديث مع بعض القواعد الشَّرعيَّة والأُصوليَّة، وهو يعد ُّتتمَّة كذلك لما تَّم بحثه في الفصل الأوّل من هذا الباب وهو تعارض الحديث مع النَّصِّ من قرآنٍ وسُنَّةٍ، أو من بابٍ آخر مع الأدل’ المتفق عليها بين الجميع.

ولهذا فإنَّي أستطيع القول بأنَّ ما سأتعرَّض له هاهنا هو تعارض الحديث مع بعض الأدلة المختلف فيها، بالإضافة إلى بعض القواعد المُعتبرة، الّتي تكاد ترتقي إلى درجة القطع، بل إنَّ من الباحثين من جعلها كذلك. فمخالفة الحديث لهذه القواعد الأُصوليَّة يجب أن يُنظر إليه بإمعانٍ، ويُدرس بتأنٍ وتثبُتٍ، لأنَّ هذه الأُصول مبنيَّةٌ على نصوصٍ قرآنيَّةٍ كما سيأتي، فتعارضها مع الحديث هو تعارضٌ مع ما يُستنبط من القرآن والسُّنَّة، وهذا بيان ما قدَّمت له.

المطلب الأوّل: تعارض الحديث مع بعض الأُصول المختلف فيها عند الفقهاء.

وأقصد بالأُصول المختلف فيها، تلك الّتي ارتضاها قومٌ وجعلوها أدلةً مُستقلَّةً بذاتها، ونازعهم فيها آخرون فلم يرتضوها ولا سلّموا لمن أخذ بها. وهذا ينطبق على كلَّ دليلٍ أو أصلٍ سوى القرآن والسُّنَّة عند جميعهم،أو سوى القرآن والسُّنَّة والإجماع والقياس عند جمهرتهم الغالبة، والأُصول الّتي سأتكلَّم عنها هي:

أوّلاً: عمل أهل المدينة: وهذا أصلٌ اعتمده المالكيَّة وعوَّلُوا عليه جدَّاً حتَّى قدَّموه في بعض الأحيان على أخبار الآحاد، ولم أجد حدّاً واضحاً عند علماء المالكيه لهذا العمل، بل إنَّ أصحاب مالكٍ-رحمه الله- قد اختلفوا في تفسير مذهبه، وتوضيح مراده بعمل أهل المدينة: فمنهم من قال: " إنَّما أراد بذلك ترجيح رواياتهم على رواية غيرهم، ومنهم من قال: أراد به أن يكون إجماعهم أولى، ولا تمتنع مخالفته، ومنهم من قال: أراد بذلك أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ". (1)

ويرى القاضي عِياضٌ (1) أنَّ إجماع أهل المدينة على ضربين:

(1) انظر: الخن - اثر الاختلاف في القواعد الاصوليه في اختلاف الفقهاء: 459 مؤسسة الرساله - بيروت، ط الثالثه 1402 هـ / 1982 م.

(1) انظر: ترتيب المدارك: 1/ 68 - 70 (بتصرُّف).

" ضربٌ من طريق النَّقل والحكاية الذي تؤثره الكافَّة عن الكافَّة وعملت به عملاً لا يخفى ونقله الجمهور عن الجمهور عن زمن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم .......

النَّوع الثَّاني: إجماعهم على عملٍ من طريق الاجتهاد والاستدلال، وهو مختلَفٌ فيه بين المالكيه أنفسهم.

واقتصر أبو الوليد الباجي (2) في تقريره لمذهب أهل المدينه، على النَّوع الأوّل فقال (3):

"إنَّما عوَّل مالك-رحمه الله-ومحققوا أصحابه علىالإجماع بذلك فيماطريقه النقل [كالمد] (4) والصَّاع، وترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الفريضة، وغير ذلك من المسائل الّتي طريقها النَّقل، واتَّصل العمل بها في المدينة على وجهٍ لا يخفى مثله، ونُقل نقلاً متواتراً ".

وقد نازع العلماء من غير المالكيَّةِ المالكيَّة في هذا الأصل، حيث لم يَروا للمدينة مزيَّةً على غيرها، ولم يُفرِّقوا بين عمل أهل المدينة، وعمل أهل مكة، وعمل أهل الشَّام، أو العراق وغير ذلك، لأنَّ الصَّحابة وُجدوا في هذه الأمصار جميعاً، وليس لأحدٍ أن يفرِّق بين صحابة المدينة، وغيرهم ممَّن نزلوا الأمصار أو نقلوا السُّنن والأخبار (5). وهذا ولَّد نقاشاً وجدالاً بين المالكيه وغيرهم باستثناء قليلٍ.

واستقصاء حجج المالكيَّة، وحجج معارضيهم في هذا الشَّأن، ليس من شرط هذا البحث، وللوقوف عليها تراجع الكتب المتخصِّصة في ذلك ومنها كتاب: " عمل أهل المدينة، يبين مصطلحات مالك وآراء الأُصوليين " (1) ولكنِّي سأكتفي بعرض وجهة نظرٍ محايدةٍ عرضها

(2) هو سليمان بن خلف القُرطبي، أبو الوليد الباجي، محدَّثٌ، وفقيهٌ، وأُصوليٌّ، من كبار علماء المالكيَّة، له عددٌ من المصنَّفات منها " المنتقى " شرح موطأ مالك، توفي سنة (474 هـ / 1081 م).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير