تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولهذا فلا أرى متمسَّكاً للمالكيَّة في ردِّ هذا الحديث بحجَّة مُخالفة عمل أهل المدينة، بل لا أجد لهم حجَّةً مُطلقاً في ردِّ هذا الحديث، وكما قال النَّوَويَُّ (3): " وهذه الأحاديث الصَّحيحة تردُّ على هؤلاء، وليس لهم عنها جوابٌ صحيحٌ، والصَّواب ثُبوته كما قاله الجمهور ".

فعمل أهل المدينة إذاً يجوز أن يوافق حديثاً كما قال ابن تيميَّة، أو يكون مرجِّحاً بين حديثين هو موافقٌ لأحدهما، بل هو من أقوى المرجِّحات كما قال القاضي عِياض، ولكن لا يُقدَّم على الأحاديث إن عارضها.

ثانياً: سدُّ الذَّرائِع.

الذَّريعة في الُّلغة (4):الوسيلة، فيُقال:تذرَّع بذَريعةٍ، أي توسَّل بوسيلةٍ، وفلانٌ ذريعتي إلى فُلانٍ، وقد تذرَّعتُ به إليه: أي توسَّلتُ.

أمَّا في الاصطلاح فقد قال الباجيُّ (5):هي المسأله الَّتي في ظاهرها الإباحة، ويُتوصَّل بها إلى فعل المحظور. وقال ابن العربي (6):هو كلُّ عقدٍ جائزٍ في الظَّاهر يؤول أو يمكن أن يُتوصَّل به إلى محظورٍ. أذاً فكلُّ مباحٍ في ذاته لكنَّه يؤدي إلى محظورٍ فهو ممنوعٌ، فالنَّظر إلى الصُّور والتَّماثيل مباحٌ في أصله، لكنَّ النَّظر إلى الصُّور المثيرة والعارية ممنوعٌ لأنَّه يؤدِّي إلى محظورٍ قد يصل إلى الزِّنا.

وسدُّ الذَّريعة أصلٌ معتبرٌ في الشَّريعة دلَّ عليه القرآن والسُّنَّة وعمل الصَّحابة،فمن القرآن قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِيْنَ يَدْعُوَن مِنْ دُوِن اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ} (1).قال ابن

(2) المعلم: 1/ 507.

(3) شرح صحيح مسلم: 10/ 173.

(4) انظر: الزَّمَخْشري - أساس البلاغة:142،والفيروزأبادي-القاموس المحيط:3/ 24

(5) الإشارات في أُصول المالكية:113.

(6) أحكام القرآن:2/ 743،تحقيق:علي محمد البجاوي،دار الفكر-بيروت

(1) سورة الأنعام:108

عاشور (2): "وقد احتجَّ علماؤنا بهذه الآية على إثبات أصلٍ من أُصول الفقه عند المالكيَّة وهو الملقَّب بمسئلة سدِّ الذَّرائع، قال ابن العربي (3):منع الله في كتابة أحداً أن يفعل فعلاً جائزاً يؤدِّي إلى محظورٍ، ولأجل هذا تعلَّق علماؤنا بهذه الآية في سدِّ الذَّرائع، وهو كلُّ عقدٍ جائزٍ في الظَّاهر يؤول أو يمكن أن يُتوصَّل به إلى محظورٍ ".

وفي السُّنَّة ما رواه البُخاريُّ (4) وغيره عن عبد الله بن عَمروٍ-رضي الله عنهما -قال:قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم -"إنَّ أكْبَرَ الكَبَائِرِ أنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ"،قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرَّجل والديه؟ قال:"يَسُبُّ الرَّجُلَ أبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أبَاهُ،وَيَسُبُّ أُمَّهُ ".

قال ابن حجرٍ (5):" قال ابن بطَّالٍ (6):هذا الحديث أصلٌ في سدِّ الذَّرائع، ويُؤخذ منه أنَّ من آل فعله إلى محرَّمٍ يحرم عليه ذلك الفعل، وإن لم يقصد إلى ما يحرم".

أمَّا عن عمل الصَّحابة فقد روى عبد الرزاق (1) عن أبي سريحه} حذيفه بن أسيد {قال:رأيت أبا بكرٍ وعمر وما يُضحِّيان.وزاد الطَّبراني (2):" مخافة أن يُستَّن بهما ". وأخرج عبد الرزاق (3)

(2) التحرير والتنوير:7/ 431

(3) أحكام القرآن:2/ 743

(4) الصحيح،الأدب /4 لايسب الرجل والديه:7/ 69 وفي "الأدب المفرد":7.وأخرجه كذلك مسلم،الإيمان /بيان الكبائر وأكبرها:1/ 92 رقم (90)،وأبو داود،الأدب /بر الوالدين:4/ 336 رقم (5141)،والتِّرمذيُّ،البر والصلة /ما جاء في عقوق الوالدين: 4/ 312 رقم (1902)،وابن المبارك في "البر والصله": 142 - 143 رقم (101 - 103)، والطَّيالِسيُّ "المسند ":299 رقم (2269) وأحمد في "المسند ":2/ 164،195،214، وأبو عَوانة في "المسند":1/ 55، وابن حِبَّان في"صحيحه "كما في "الإحسان ":2/ 143 - 145 رقم (411 - 412)، وأبو نعيم في"حلية الأولياء ": 3/ 172.

(5) فتح الباري: 10/ 404

(6) هو علي بن خلف بن عبد الملك بن بطَّال، أبو الحسن القُرطبي، من علماء الحديث في الأندلس، له شرحٌ على البُخاريِّ وبه اشتهر،توفي سنة (449 هـ/1057 م)

نظر ترجمة: ابن بَشكوال-الصله:414 رقم (891)، والضَّبِّي-بغية الملتس:421، الذهبي - تذكرة الحفاظ (ترجمه عرضا): 3/ 1127، وسير أعلام النبلاء:18/ 47 - 48 ابن فرحون - الديباج المذهب:203 - 204، وابن العماد - شذرات الذهب:3/ 283.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير