أوّلاً: صيغة الحديث كما عند مُسلمٍ (2) وغيره عند رواية:" لا عَدْوى .... " فقال
(2) الصحيح،: 4/ 1742 - 1743 - رقم (2220).
أعرابيٌّ: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرَّمل (1) كأنَّها الظِّبَاء، فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيُجربها كلَّها؟ قال: " فَمَنْ أعْدَى الأوّل "؟. أي لو كان هذا الأمر حقاً لوجب أنْ يكون هذا البعير قد أجربه بعيرٌ آخر وهكذا حتّى نصِل إلى أوّل بعير جرب، فمن أجربه؟.
ثانياً: إنَّ هذا الحديث لم يقتصر على ذكر العدوى فحسب فقد ذُكر معه الطِيَرة (2) والهامة (3) والصَّفر (4)، والغول، وهذه اعتقاداتٌ جاهليَّةٌ أبطلها الإسلام، فجمع كلمة لا عدوى مع هذه الاعتقادات، توضِّح أنَّ نفي العدوى أيضاً ضمن الاعتقادات الفاسدة، المراد إبطالها، والله أعلم.
(1) الرمل:الهرولة والمشي السَّريع،قال ابن الأثير: رمل يرمل رملاً:إذا أسرع في المشي وهزَّ مِنكبيه، أُنظر:النهاية في غريب الحديث:2/ 265.
(2) الطِّيَرة: التَّشاؤم، وكانت العرب تزجر الطَّير، فإذا مرَّت من الشِّمال تطيَّرت، فأبطل رسول الله ذلك. أُنظر: ابن الجوزي - غريب الحديث: 2/ 48، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلميه - بيروت - ط الاولى 1405 هـ / 1985 م.
(3) أمَّا الهامَّة: فقد كانت العرب تقول إنَّ عظام الموتى تصير هامةً فتطير، أُنظر: أبو عُبيد - غريب الحديث: 1/ 26.
(4) الصَّفَر: فسّرة جابر بدوابِّ البطن، كما عند مُسلمٍ في " صحيحه ": 4/ 1745، وذكر العلماء هذا القول وقولاً آخر عن رُؤْيَة، أنَّها حيَّةٌ تكون في البطن تصيب الماشيه والنَّاس، وقيل: تأخيرهم المُحرَّم إلى صفر في تحريمه، أُنظر: أبو عبيد - غريب الحديث: 1/ 26، وأرى أنَّ القول الأخير أرجح، لأنَّ المقام مقام نقض جاهليَّاتٍ.
المبحث الثَّاني
توهُّم تعارض الحديث مع الوقائع ونواميس الكون
بعد الاستقراء والبحث رأيت أنَّ هناك أحاديث قد يفهم سامعها أنَّها تتعارض مع الحوادث والوقائع، أو مع نواميس الكون وقوانين الله - تعالى - في الطَّبيعة، ووجه جمع الحوادث ونواميس الكون معاً في مبحثٍ واحدٍ أنَّ هذه النَّوامِيس غالباً ما ترتبط بحادثةٍ أو واقعةٍ’ مما يجعل ارتباطهما وثيقاً، وسيظهر ذلك بوضوح أثناء تناولي للأمرين في المطالب الآتيه:
المطلب الأوّل: تعارض الحديث مع الحوادث والوقائع.
وأقصد من ذلك ما يتعارض فيه الحديث مع حوادث إمَّا ماضية أو مستقبلة وهو الأكثر، وهذا التعارض قد يكون مَوهُوماً، أو مرتبطاً بأمرٍ آخريوضِّحه، أو ناتجاً عن قلَّة علمٍ وعدم استيعاب جوانب الموضوع كلَّها.
ولقد تعرَّضت لمثالٍ من هذا النَّوع في الباب الماضي وهو قول الرَّسول - صلّى الله عليه وسلّم - " مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ اليَومَ تَأتِي عَلَيْهَا مِئَةُ سَنَةٍ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَومَئِذٍ " (1).
فهذا الحديث توهَّم البعض تعارضه مع الحوادث والوقائع، إذا انحزم القرن الأوّل ولم تنته الدُّنيا كما فهم المُعْتَرِضُون، ولقد بيَّنت وجه الحديث هناك فلا أُعيد.
وقريبٌ من هذا ما أخرجه مُسلمٌ في " صحيحه " (2) عن أنس بن مالك أنَّ رجلاً سأل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - متى تقوم السَّاعه؟ وعنده غلامٌ من الأنصار يُقال له محمدٌ، فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - " إنْ يَعِشْ هَذَا الغُلامُ فَعَسَى أنْ لاَ يُدْرِكُهُ الهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ".
ولقائلٍ أن يقول إنَّ ذلك الغلام قد هَرِم ومات، وماتت بعده أجيالٌ ولم تقم السَّاعة، مما يوهم تعارضاً مع هذا الحديث والوقائع المستقبلة.
وللوقوف على حقيقة المراد بالحديث يجب استيعاب طرق الحديث حتى لا نقع في محذورٍ نبَّهنا عليه، إذ بجمع الطُّرق والرِّوايات قد يزول الإشكال والتَّعارض.
(1) مُسلمٌ،فضائل الصحابة / باب53: 4/ 1966 وغيره كما بيَّنته في الباب السَّابق.
(2) 4/ 2269 - 2270، الفتن وأشراط الساعة /قرب الساعة رقم (2953)، وأخرجه أيضاً: أحمد في المسند 3/ 213، 288، 269، وعَبْد بن حُميد في " المنتخب ": 388 رقم (1296)، وأبو يَعْلى في " المسند":3/ 178 رقم (2750)، وابن حِبَّان في " صحيحه " كما في " الإحسان ": 2/ 324 رقم (565).
¥