وتسهل في إيضاحهن المسالك
فآراؤه في الفقه يسطع نورها
لعمري: كم تهدي النجوم الشوابك
وآثاره بهدى العباد وميضها
وفي سائر الناس الشظى والسنابك ([363])
له من ذرى العلم السنام وشلوه
وقد تكررت ([364]) هذه العبارة بصيغ متقاربة توحي كلها بأن ابن الفرضي كان يكاتب بعض الأشخاص بحثاً عن مادته العلمية، فيكتبون إليه بما طلب عن حياتهم الشخصية أو غيرها.
2. يبدو أن ابن الفرضي لم يكتف بالإجابة الشفوية بل كان يجمع بينهما وبين الإجابة الخطية ومن الأمثلة على ذلك قوله حينما تحدث عن وفاة عبد الله بن إدريس إذ قال: (قاله سليمان بن أيوب وكتبه لي بخطه) ([365])، وكذلك قوله: (قال لي سليمان بن أيوب: توفي سنة سبع وعشرين وثلاث مائة وكتبه لي سليمان) ([366])، أو قد يطلب ابن الفرضي أن يملي عليه صاحب الشأن مثل قوله: (أملي علي نسبه) ([367]) يعني يحيى ابن هذيل.
3. كان ابن الفرضي يكاتب مع أشخاصٍ آخرين بحثاً عن مسألة علمية، أو سؤال عن قضية معينة، وكانت الإجابات ترد عليهم بصيغة الجمع من صاحب الشأن، وقد أورد ابن الفرضي نماذج عديدة لهذا الأسلوب من الاستكتاب مثل قوله: (كتب إلينا الحكم بن محمد المرادي يخبرنا أنه سمع من أيوب بن سلمان بن معاوية …) ([368])، وقوله: (توفي ثمان وثلاثين وثلاثمائة - يعني حسن بن عبد الله التميمي- كتب إلينا بذلك وليد بن عبد الملك القاضي) ([369])، وقوله: (وقال أبو العباس بن وليد بن عبد الملك في كتابه إلينا عميرة محمد بن مروان … مولى مروان بن الحكم) ([370])، وقد أورد ابن الفرضي نماذج كثيرة لهذا النوع من الاستكتاب، وهذا مما يدل على حرصه في البحث عن مادته العلمية، ودقته في رصدها ([371]).
كانت هذه أهم الطرق التي نهجها ابن الفرضي في استكتابه لعدد من الأشخاص من أجل الحصول على بعض الثغرات المتعلقة بمادته العلمية، ولا شك أن هذا الأسلوب في جمع مادته العلمية يؤكد حرصه الشديد على تتبع ضالته حسب مظانها ومواقعها؛ مهما كانت الوسائل والمتاعب الناتجة عن ذلك.
ج - اللوحات والوثائق المادية:
يعتبر هذا النوع من المصادر المهمة، وذلك لأن الكاتب أو المؤرخ حينما يعتمد عليها في أخذ مادته العلمية لا يتعامل مع مجهول بل إنه أمام دليل مادي يدل ضمناً أو صراحة على ما يريد الباحث أو المؤرخ، وهذه الدلالة تكون غالباً حسب ظاهرها غير قابلة للتأويل، أو التحريف أو غيرها من آفات نقل الأخبار، ولهذا عد كثير من الكتاب هذا النوع بأنه من أهم أنواع المصادر، وذلك لأنه شاهد ثابت لا يمكن أن يتأثر بآفات النقل والرواية.
ولما كان ابن الفرضي قد عاصر كثيراً من الرجال الذين كتب عنهم كما أنهم - أيضاً - قد نشأوا وعاشوا في بلاد الأندلس فإنه بهذا يكون قد عايش الإطارين الزماني والمكاني لموضوع كتابه، وهذا مكنه من الاطلاع، ومشاهدة بعض الوثائق المادية التي أعانته في الحصول على بعض ما يريد، وقد كانت اللوحات المكتوبة على القبور من أهم هذا النوع حيث حددت له سني وفيات عدد من العلماء وهو مهم عنده إذ يتوقف عليه قضايا هامة في الرواية والسماع عند المحدثين، ذلك أن معرفة وفاة الشيخ تبين مدى إمكانية معاصرة الرجال، ومقابلتهم لبعضهم.
ويبدو أن كتابة تاريخ الوفاة على القبور كانت من العادات المعمول بها عند مسلمي الأندلس آنذاك، ولهذا أفاد منها ابن الفرضي كثيراً، حيث يذكر ذلك بعد ذكره لسنة الوفاة إذ يقول: (قرأت تاريخ وفاته مكتوباً على قبره) ([372])، أو يقول: (قرأت تاريخ وفاته في لوح على قبره) ([373])، أو: (قرأت هذا التاريخ من لوح مكتوب على قبره) ([374])، بل قد يكون نقله أكثر من هذا مثل قوله حينما ذكر وفاة محمد بن أحمد التراس: (قرأت على قبره مكتوباً توفي محمد بن أحمد التراس ليلة الجمعة، ودفن يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة) ([375])، كما أنه قد يجمع بين الرواية الشفوية، وخبر الوثيقة المادي فهو حينما ذكر وفاة علي بن عبد القادر القلاعي قال: (أخبرني بذلك الباجي، وقرأته مكتوباً على قبره) ([376]).
¥