تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الشريعة. ومن المعلوم: أن أحدهم يقول: حكم الله كذا أو حكم الشريعة كذا بحسب ما اعتقده عن صاحب الشريعة؛ بحسب ما بلغه وفهمه وإن كان غيره أعلم بأقوال صاحب الشريعة وأعماله وأفهم لمراده. فهذا أيضا من الأمور التي يكثر وجودها في بني آدم. ولهذا قد تختلف الرواية في النقل عن الأئمة كما يختلف بعض أهل الحديث في النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم. فلا يجوز أن يصدر عنه خبران متناقضان في الحقيقة. ولا أمران متناقضان في الحقيقة إلا وأحدهما ناسخ والآخر منسوخ. وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فليس بمعصوم. فيجوز أن يكون قد قال خبرين متناقضين. وأمرين متناقضين ولم يشعر بالتناقض. لكن إذا كان في المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحتاج إلى تمييز ومعرفة - وقد تختلف الروايات حتى يكون بعضها أرجح من بعض والناقلون لشريعته بالاستدلال بينهم اختلاف كثير - لم يستنكر وقوع نحو من هذا في غيره؛ بل هو أولى بذلك. لأن الله قد ضمن حفظ الذكر الذي أنزله على رسوله ولم يضمن حفظ ما يؤثر عن غيره. لأن ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة هو هدى الله الذي جاء من عند الله وبه يعرف سبيله وهو حجته على عباده؛فلو وقع فيه ضلال لم يبين لسقطت حجة الله في ذلك وذهب هداه وعميت سبيله؛ إذ ليس بعد هذا النبي نبي آخر ينتظر ليبين للناس ما اختلفوا فيه؛ بل هذا الرسول آخر الرسل. وأمته خير الأمم. ولهذا لا يزال فيها طائفة قائمة على الحق بإذن الله. لا يضرها من خالفها ولا من خذلها. حتى تقوم الساعة.

الوجه الثاني: أن أبا الفرج نفسه متناقض في هذا الباب: لم يثبت على قدم النفي ولا على قدم الإثبات؛ بل له من الكلام في الإثبات نظما ونثرا ما أثبت به كثيرا من الصفات التي أنكرها في هذا المصنف. فهو في هذا الباب مثل كثير من الخائضين في هذا الباب من أنواع الناس يثبتون تارة وينفون أخرى في مواضع كثيرة من الصفات كما هو حال أبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي.

الوجه الثالث: أن باب الإثبات ليس مختصا بالحنبلية ولا فيهم من الغلو ما ليس في غيرهم؛ بل من استقرأ مذاهب الناس وجد في كل طائفة من الغلاة في النفي والإثبات ما لا يوجد مثله في الحنبلية ووجد من مال منهم إلى نفي باطل أو إثبات باطل فإنه لا يسرف إسراف غيرهم من المائلين إلى النفي والإثبات؛ بل تجد في الطوائف من زيادة النفي الباطل والإثبات الباطل ما لا يوجد مثله في الحنبلية. وإنما وقع الاعتداء في النفي والإثبات فيهم مما دب إليهم من غيرهم الذين اعتدوا حدود الله بزيادة في النفي والإثبات إذ أصل السنة مبناها على الاقتصاد والاعتدال دون البغي والاعتداء. وكان علم " الإمام أحمد وأتباعه " له من الكمال والتمام على الوجه المشهور بين الخاص والعام ممن له بالسنة وأهلها نوع إلمام وأما أهل الجهل والضلال: الذين لا يعرفون ما بعث الله به الرسول ولا يميزون بين صحيح المنقول وصريح المعقول وبين الروايات المكذوبة والآراء المضطربة: فأولئك جاهلون قدر الرسول والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين نطق بفضلهم القرآن فهم بمقادير الأئمة المخالفين لهؤلاء أولى أن يكونوا جاهلين إذ كانوا أشبه بمن شاق الرسول واتبع غير سبيل المؤمنين من أهل العلم والإيمان وهم في هذه الأحوال إلى الكفر أقرب منهم للإيمان: تجد أحدهم يتكلم في " أصول الدين وفروعه " بكلام من كأنه لم ينشأ في دار الإسلام ولا سمع ما عليه أهل العلم والإيمان ولا عرف حال سلف هذه الأمة وما أوتوه من كمال العلوم النافعة والأعمال الصالحة ولا عرف مما بعث الله به نبيه ما يدله على الفرق بين الهدى والضلال والغي والرشاد. وتجد وقيعة هؤلاء في " أئمة السنة وهداة الأمة " من جنس وقيعة الرافضة ومن معهم من المنافقين في أبي بكر وعمر؛ وأعيان المهاجرين والأنصار؛ ووقيعة اليهود والنصارى ومن تبعهم من منافقي هذه الأمة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقيعة الصابئة والمشركين من الفلاسفة وغيرهم في الأنبياء والمرسلين وقد ذكر الله في كتابه من كلام الكفار والمنافقين في الأنبياء والمرسلين وأهل العلم والإيمان ما فيه عبرة للمعتبر؛ وبينة للمستبصر؛ وموعظة للمتهوك المتحير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير