تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول إن الفعل قديم أزلي وإنه مع ذلك يتعلق بمشيئته وقدرته وأكثر العقلاء يقولون فساد هذا معلوم بضرورة العقل؛ كما قالوا مثل ذلك في قول من قال من المتفلسفة: إن الفلك قديم أزلي وإنه أبدعه بقدرته ومشيئته. وجمهور العقلاء يقولون: الشيء المعين من الأعيان والصفات إذا كان حاصلا بمشيئة الرب وقدرته لم يكن أزليا. فلما كان من أصل ابن كلاب ومن وافقه كالحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي وأبي الحسن الأشعري والقضاة أبي بكر بن الطيب وأبي يعلى بن الفراء وأبي جعفر السماني وأبي الوليد الباجي وغيرهم من الأعيان؛ كأبي المعالي الجويني وأمثاله؛ وأبي الوفاء بن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني وأمثالهما: أن الرب لا يقوم به ما يكون بمشيئته وقدرته ويعبرون عن هذا بأنه لا تحله الحوادث ووافقوا في ذلك الجهم بن صفوان وأتباعه من الجهمية والمعتزلة صاروا فيما ورد في الكتاب والسنة من صفات الرب على أحد قولين: إما أن يجعلوها كلها مخلوقات منفصلة عنه. فيقولون: كلام الله مخلوق بائن عنه؛ لا يقوم به كلام. وكذلك رضاه وغضبه وفرحه ومجيئه وإتيانه ونزوله وغير ذلك هو مخلوق منفصل عنه لا يتصف الرب بشيء يقوم به عندهم. وإذا قالوا هذه الأمور من صفات الفعل: فمعناه أنها منفصلة عن الله بائنة وهي مضافة إليه؛ لا أنها صفات قائمة به. ولهذا يقول كثير منهم: إن هذه آيات الإضافات وأحاديث الإضافات وينكرون على من يقول آيات الصفات وأحاديث الصفات وإما أن يجعلوا جميع هذه المعاني قديمة أزلية ويقولون نزوله ومجيئه وإتيانه وفرحه وغضبه ورضاه؛ ونحو ذلك: قديم أزلي كما يقولون: إن القرآن قديم أزلي. ثم منهم من يجعله معنى واحدا ومنهم من يجعله حروفا أو حروفا وأصواتا قديمة أزلية مع كونه مرتبا في نفسه. ويقولون: فرق بين ترتيب وجوده وترتيب ماهيته كما قد بسطنا الكلام على هذه الأمور في غير هذا الموضع على هذه الأقوال وقائليها؛ وأدلتها السمعية والعقلية في غير هذا الموضع. والمقصود هنا: أنه ليس شيء من هذه الأقوال قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا قول أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة - أئمة السنة والجماعة وأهل الحديث - كالأوزاعي ومالك بن أنس وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأمثالهم؛ بل أقوال السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم من أئمة الدين وعلماء المسلمين: موجودة في الكتب التي ينقل فيها أقوالهم بألفاظها بالأسانيد المعروفة عنهم. كما يوجد ذلك في كتب كثيرة مثل كتاب " السنة " " والرد على الجهمية " لمحمد بن عبد الله الجعفي شيخ البخاري؛ ولأبي داود السجستاني ولعبد الله بن أحمد بن حنبل ولأبي بكر الأثرم ولحنبل بن إسحاق ولحرب الكرماني ولعثمان بن سعيد الدارمي ولنعيم بن حماد الخزاعي ولأبي بكر الخلال ولأبي بكر بن خزيمة ولعبد الرحمن بن أبي حاتم ولأبي القاسم الطبراني ولأبي الشيخ الأصبهاني ولأبي عبد الله بن منده ولأبي عمرو الطلمنكي وأبي عمر بن عبد البر. وفي كتب التفسير المسندة قطعة كبيرة من ذلك مثل تفسير عبد الرزاق وعبد بن حميد ودحيم وسنيد وابن جرير الطبري وأبي بكر بن المنذر؛ وتفسير عبد الرحمن بن أبي حاتم؛ وغير ذلك من كتب التفسير التي ينقل فيها ألفاظ الصحابة والتابعين في معاني القرآن بالأسانيد المعروفة. فإن معرفة مراد الرسول ومراد الصحابة هو أصل العلم وينبوع الهدى؛ وإلا فكثير ممن يذكر مذهب السلف ويحكيه لا يكون له خبرة بشيء من هذا الباب كما يظنون أن مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها. أنه لا يفهم أحد معانيها؛ لا الرسول ولا غيره ويظنون أن هذا معنى قوله: {وما يعلم تأويله إلا الله} مع نصرهم للوقف على ذلك؛ فيجعلون مضمون مذهب السلف أن الرسول بلغ قرآنا لا يفهم معناه؛ بل تكلم بأحاديث الصفات وهو لا يفهم معناها وأن جبريل كذلك؛ وأن الصحابة والتابعين كذلك. وهذا ضلال عظيم وهو أحد أنواع الضلال في كلام الله والرسول صلى الله عليه وسلم ظن أهل التخييل وظن أهل التحريف والتبديل وظن أهل التجهيل. وهذا مما بسط الكلام عليه في مواضع. والله يهدينا وسائر إخواننا إلى صراطه المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير