ـ[نزار حمادي]ــــــــ[15 Oct 2008, 07:31 م]ـ
وأما رأيك في علم الكلام، وقولك: " إنه نشأ لحاجة الدعوة إلى الإسلام والتعريف به "!
فهذا فيه نظر ظاهر، ولا أريد أن نزيد في التفريع في التعليق عليه.
أخي الكريم عبد الرحمن
هذه فائدة أنقلها لك ولكل الأخوة الأفاضل الذين يعارضون علم الكلام السني (علم أصول الدين) الخالي عن الفلسفة وأصولها الفاسدة، معارضة منشأها في تقديري الحجم الهائل من الدعاية المناهضة لعلم الكلام بشكل عام لحاجة في نفوس المناهضين.
اعلم أن قول من قال بتحريم علم الكلام، واستدلاله لذلك بأن تدوينه بدعة، يردّه النقل والعقل، وذلك أن تعلم أن جميع العلوم الإسلامية وإن تكثرت فالمطلوب منها أمران: إلف العبادات. وإلف العادات. أما الأول فمرجعه إلى صحة الاعتقادات والقيام بوظائف العبادات الفرعية. وأما الثاني فمرجعه إلى إقامة الأبدان بالأغذية والمعالجات ونظام المعاش بالمعاملات.
والأمر الأول وإن كان أوكد؛ إذ هو الذي كُلِّفنا به، لكن قوامه بقوام الثاني، فاحتيج إليهما معًا، وصار في التحقيق مكلََّفا بهما. وقد قام بكلا الأمرين المعلم الأكبر المبعوث لسياسة الخلق أجمع وسيدهم في الدارين صلى الله عليه وسلم.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون من الجميع ما يحتاج إليه، إما بتلقيهم منه صلى الله عليه وسلم، أو بفهم من القرآن لسهولة ذلك عليهم من حيث كونهم عربا ونوّر الله تعالى بصائرهم بالمشاهدة، فلم يحتاجوا إلى آلة يتوصلون بها ولا وسيلة يستعملونها، غير أنهم كانوا يكتبون ما يسمعون في الرقاع وفي الحاف لعلمهم أن ذلك وسيلة إلى حفظه، فلما استحر القتل في القراء وخاف أبو بكر رضي الله تعالى عنه ضياع القرآن جمعه في مصحف لعِلْمِه أن ذلك وسيلة إلى حفظه.
ولمّا أحس عمر رضي الله تعالى عنه أن فهم الكتاب والسنة يحتاج إلى موصل لما فيهما من دقائق الإشارات وغرائب العبارات، حضّ على رواية الشعر وتعلمه، فقال في خطبته: «عليكم بديوانكم لا يضل». قيل وما هو؟ قال: شعر الجاهلية، ففيه معنى كتابكم.
ولما خشيء عثمان رضي الله تعالى عنه اختلاف الناس جمع القرآن في المصاحف لعلمه أن ذلك وسيلة إلى ضبطه وارتفاع النزاع فيه.
ولما سمع عليّ كرّم الله تعالى وجهه اللحن وخاف ضيالع العربية وضع النحو لعلمه أن النحو وسيلة إلى حفظ اتللسان العربي، وحفظه وسيلة إلى فهم معاني الكتاب والسنة التي عليهما مدار الشريعة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
ولمّا علم مهمرة الصحابة والتابعين أنه ليس كل أحد يقوم بفهم معاني القرآن اشتغلوا بتفسيره، ودوّنوا التفسير نصحا لمن بعدهم، ودونوا الأحاديث النبوية لأن ذلك وسيلة إلى ما وقع به التكليف، وهو وسيلة إلى الامثال.
ولما كان ما ينقل من الأحاديث ليس كله متواترا ولا متفقا على صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم كالقرآن، بل منه الصحيح بسند أو غيره، والقويّ وغيره، واحتاج أئمة الدين إلى تمييز المعمول به من غيره، وإلى معرفة تلقي ذلك وتبليغه، أحدثوا صناعة الحديث وما فيها من الاصطلاحات والألقاب.
ولمّا كانت الأحكام المأخوذة من الكتاب والسنة منها ما يرجع إلى كيفية عمل، ومنها ما يرجع إلى اعتقاد صرف، والأولى لا تتناهى كثرة فامتنع حفظها كلها لوقت الحاجة، فنيطت بأدلة كلية من عمومات وعلل تفصيلية تستنبط منها عند الحاجة، فجمعوا ذلك ودونوه وسموا العلم الحاصل لهم عنها فقهًا.
ولمّا اختلفوا في استنباط المسائل المستجدات، واحتاجوا في الجواب عن كل نازلة نازلة إلى مقدمات كلية، كل مقدمة منها ينبني عليها كثير من الأحكام، وربما التبست ووقع فيها الاختلاف حتى تشعبوا شعبا وافترقوا على مذاهب، لم يروا إهمالها نصحا لمن بعدهم وإعانة لهم على درك الحقائق، فدونوا ذلك وسموه أصل الفقه.
¥