والثانية وهي الاعتقادات كانت في صدر الإسلام سليمة، ولمّا تكاثرت الأهواء والشيع، وافترقت الأمة كما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلمعلى فرق، وكثر الخبط في الدين، وعظمت على الحق شبه المبطلين، انتهض علماء الأمة وعظماء الملة إلى مناضلة المبطلين باللسان كما كان الصدر الأول يناضلون عن الدين بالسنان، وأعدوا لجهاد المبطلين ما استطاعوا من قوة، فاحتاجوا إلى مقدمات كلية، وقواعد عقلية، واصطلاحات وأوضاع يجعلونها على النزاع ويتفقهون بها مقاصد القوم عند الدفاع، فدوّنوا ذلك وسموه «علم الكلام» و «أصول الدين» ليكون بإزاء أصول الفقه السابق.
وأيضا لما كانت ألفاظ الكتاب والسنّة عربية، وفهمها موقوف على فهم لغة العرب،
وضعوا اللغة ودونوها.
ولمّا كان ثبوت الشريعة موقوفا على صدق الرسل عليهم الصلاة والسلام، الموقوف على ثبوت المعجزة، وكان أعظم المعجزات القرآن العظيم، وكان إعجاز القرآن على القول المرضي ببلاغته، احتيج إلى معرفة البلاغة ليعرف وجه إعجاز القرآن الموصل إلى ما ذُكِر، وليوفى حقَّه من الفهم، إذ هو مملوء بالمجازات والاستعارات والكنايات، وضعوا علم البلاغة ودونوه.
ولمّا احتاجوا في أمر الصلاة ونحوها إلى معرفة القبلة وساعات الليل والنهار، دوّنوا علم الهيئة.
ولمّا احتاجوا إلى العد في المحاصات وقسمة التركات وسائر المعاملات وضعوا علم الحساب. إلى غير ذلك من الفنون.
ولمّا كان كل ما ذكر من الفنون وغيرها دائرًا بين إدراك أمرين والحكم بأحدهما على الآخر، وكان الفكر عند الحكم ليس بمصيب دائما، بدليل مجادلة ومناضلة بعض العقلاء فيما اقتضت أفكارهم، واحتيج إلى ما يوصل إلى إدراك وتمييز صحيح الفكر من سقيمه، دوّنوا علم المنطق، وعرفوه لتنتفع به هذه الأمة الشريفة العربية، إذ هو المعين على الأفكار والفهوم، والرئيس على سائر العلوم. وكان من العلوم التي استخرجها اليونان، وهو من الحكمة التي أعطوها. وكان يقال: «أنزلت الحكمة على ثلاثة أعضاء من الجسد: قلوب اليونان، والسنة العرب، وأيدي أهل الصين.»
وقد نبهناك في هذه الكلمات على ما ينبغي أن يستحضره المتعلم لشيء من هذه العلوم، حتى يكون ما اشتغل به ـ إن شاء الله تعالى ـ قربة؛ «إنما الأعمال بالنيات». جعلنا الله تعالى ممن أخلص وأنصف. فإن تفهمت ما أشرنا به وتبصرت ما نبهناك، علمت أن التوصل إلى الحق بكل ما أمكن سنّة فعلمها الخلفاء رضي الله تعالى عنهم، بل كل من الصحابة، ولم يخطر ببالك أن يكون وجه التحريم من هذه العلوم، ولا أن يقال: إنه مذموم؛ إذ هي كلها وسائل إلى المقصود، فمن حرم بعضها فليحرم جميعها، وإلا فمن أين التخصيص؟! ومن أنكر أن يكون بعض ذلك وسيلة فالعيان يكذّبه. نعم، بعضها أقرب وأكثر إيصالا من بعض. اهـ.
وأقترح عند إثارة مثل هذه المناظرات الإلكترونية أن تدار بطريقة منهجية منظمة
فإما أن يسلك المتناظرون تلك الطريقة المنهجية في المناظرة فلا ينتقل من مسألة إلى مسألة حتى يستوفى قول الطرفين فيها وتتبين حجة صاحب الحجة منهما
وإلا فالمتوجه أن يتولى إدارة المناظرة طرف ثالث ينظم النقاش فيها حتى ينتفع القراء والمشاركون، فلا يشارك أحد المتناظرين إلا حين يوجه إليه السؤال أو يتاح له المجال ليبدي ما لديه، وإذا أورد أحد المتناظرين أسئلة ذات صلة بالمسألة على مناظره تعينت عليه الإجابة وإلا عد ناكلاً عن الجواب، منقطع الحجة.
والمناظرات العلمية إذا شملها أدب الحوار والتناظر وكانت مبنية على أساس علمي فإن فوائدها عظيمة، ونفعها متعدٍ للقراء والمشاركين، فربما يرجع صاحب القول الباطل إلى الحق بعدما يتبين له، وليس في ذلك منقصة له، بل هو والله شرف له عظيم.
كلام جميل ومقبول، فما رأيك أن نسلك هذا السبيل بيننا ولو على الخاص أو الرسائل الاكترونية وفي مواضيع محددة نتفق عليها مسبقا؟؟
ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[17 Oct 2008, 02:04 م]ـ
كلام جميل ومقبول، فما رأيك أن نسلك هذا السبيل بيننا ولو على الخاص أو الرسائل الاكترونية وفي مواضيع محددة نتفق عليها مسبقا؟؟
لا مانع لدي
ـ[حكيم بن منصور]ــــــــ[01 Mar 2009, 04:31 م]ـ
الحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله، وعلى آله وصحابته وإخوته إلى يوم نلقاه،
أما بعد
¥