تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

محور السورة

د. حسن: سورة النور تكاد تجسد حقيقة السور المدنية بالمعنى الاجتماعي للمجتمع المسلم فهذه السورة تكاد تمتاز بأنها سورة العلاقات الاجتماعية أو كما قال القرطبي رحمه الله هي سورة سيقت لبيان أحكام العفاف والستر وهذه الأحكام أحكام العفاف والستر بكل تفاصيلها بدءًا بالحديث عن الزنا والقذف وما تلا ذلك من الاستئذان بأحكامه وتفصيلاته والحديث عن التزويج والحديث عن المنافقين والحديث عن الاستئذان مرة أخرى بصيغة أخرى والأكل والمعاشرة وغض البصر هي وحدة موضوعية قوية جدًا حتى بالمعنى العصري الدقيق للموحدة الموضوعية للقضايا. وفيها قضية توسطت السورة تقريبًا وهي الحديث عن نور الله عز وجل الذي ملأ السموات والأرض نوره في ذاته ونوره في دينه وشرعه وهديه وكيف وقف الناس منه مواقف ذكرها الله بصورة عجيبة تبين أن الأمر كما قال سبحانه (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء (35))

د. عبد الرحمن: قرأت أن عمر رضي الله عنه كان يحث على تعليم هذه السورة للنساء خاصة ما دلالة هذا؟

د. حسن: عمر رضي الله عنه كان فقيها كان يكتب إلى المسلمين في الكوفة وغيرها أن علّموا أو حفّظوا نساءكم سورة النور وفي لفظ آخر أشار إلى سورة النساء وسورة النور. وذلك إذا تأملت القرآن الكريم وجدت سورًا بعينها فيها غناء وثراء في القضية الاجتماعية سورة النور سورة الأحزاب سورة الحجرات سورة النساء لكن سورة النور بالذات هي سورة تتعلق بالقضية الاجتماعية بالصميم العفاف والستر الذي هو أهم قضية وعلاجها يحتاج إلى ثقافة مشتركة بين الرجل والمرأة بل حتى الطفل وللأطفال لهم حديث ولهم آداب في العلاقة الاجتماعية في بيوتهم وأهاليهم شيء لا يكاد يتخيله من لم يقرأ ويتأمل ولا يظن أحد أن القرآن فيه مثل هذا التوجيه الاجتماعي

د. عبد الرحمن: دعنا ندخل في التفاصيل الآن، في أول السورة بدء سورة النور قوله سبحانه وتعالى (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)) لا توجد سورة في القرآن بدأت بمثل هذا البيان يعني مدح السورة والنص أنها سورة بينة أنزلها الله.

د. حسن: هذا من عجيب مطالع السور أن يبدأ بإسم السورة ويمدحها ويثني عليها أن فيها آيات بينات وأن الله سبحانه وتعالى فصلها وبينها ثم بعد ذلك شرع في الأحكام مباشرة، بعد ذلك قال (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ (2)) ثم انتقل إلى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ (4)) (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ (6)) (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ (11)) وتسلسلت القضايا حتى نهاية السورة فقط هناك التعليقات والتعقيبات على هذه القضايا الاجتماعية بالتأكيد المرة بعد المرة (أنزلناها وفرضناها) بحيث يؤخذ الأمر بجد وليس الأمر على التراخي (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) حتى لا يظن أحد أن الأمر ملتبس أو أنه يحتاج إلى تفسير صعب أو أنه من المتشابه (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) للعلّة (لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ثم يتكرر هذا التوجيه (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (34))

د. عبد الرحمن: ما هو سر تكرار صفة البيان بينات ومبينات؟

د. حسن: السر لأنها قضية كما قال عمر علّموها نساءكم حفظوها نساءكم وعادة أطياف المجتمع أولو العلم وأولو الفقه هم أقل الناس لكن مثل هذه الأحكام تولى الله تعالى بيانها وتكفل بها بحيث لا يحتاج الناس إلى متخصص في السؤال، الله عز وجل يقول (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30)) (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ (31)) الأمر يسير وسهل وواضح أحكام تتعلق بذوات الأشخاص لا تتعلق بالحكومة أو تتعلق بالمؤسسة السياسية العامة بحيث لا يكون أفراد الناس مخاطب بل الكل مخاطب ولذلك جاءت (بينات) بخلاف أو على عكس بعض الأحكام التي يحتاج إليها فئة ولا يحتاج إليها المجتمع إلا في القليل النادر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير