تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي الاستصحاب الذي يقربه جمهور العلماء يرى الدكتور الترابي أن الشريعة لم تبدل كل ما كان في المجتمع الجاهلي القديم، بل كانت هناك أمور متعارف عليها أقرّها الشرع، وإنما تدخل في إصلاح ما اعوج منها، فما لم يرد من الشارع دليل عليه ينبغي الاستمرار في العمل به، وإبقاؤه على ما كان عليه. وذكر بعض القواعد المبنية على ذلك، وهي: الأصل في الأشياء الحل، وفي الأفعال الإباحة، وفي الذمم البراءة من التكليف، وكل ما تطوّقه المؤمن يقصد به وجه الله عبادة مقبولة، وكل ما أخذ لمتاع الحياة الدنيا عفو متروك إلا أن يرد النص فينفي صفة العفو أو الإباحة عن فعل معين (14).

وهو يشترط البدء بالنصوص، ثم النظر في الأصلين الواسعين، ثم النظر إلى الواقع الذي نعيشه بمصالحة وأسبابه، لأن الفهم الذي يتبادر من النصوص قد يلغى عند التطبيق مؤدياً إلى حرج عظيم، قد يأباه نص آخر، أو مصلحة مقدرة في الدين (15).

ولسنا نرى في كلامه هذا جديداً، أو تجديداً، وما ذكره أمور مقررة قامت على صحتها الأدلة الشرعية، ولكن لا ينبغي أن تطلق الأقوال، كما أطلقها، فليس الأصل في الأشياء الحل مطلقاً، بل لا بد من التفريق بين ما هو ضار وما هو نافع. فالصواب أن يقال: الأصل في المنافع الحل، كما أن الأصل في المضار التحريم. وأما أن الأصل براءة الذمة من التكليف فصحيح قبل مجيء الشرع، وبعد مجئته شغلت الذمة بما أمر به الشارع، ويبقى ما عدا ذلك على الأصل المذكور، وقول الدكتور الترابي: (وكل ما تطوقه المؤمن، يقصد به وجه الله عبادة مقبولة غير مقبول). وهو طريق الابتداع في الدين، وكل مبتدع إنما يتذرع بأنه يقصد وجه الله.

وأما ما يتعلق بالإجماع فإنه بالصورة التي رسمها له الأصوليون، صعب التحقيق، إن لم يكن متعذراً – لا سيما إذا اشترطنا فيه انقراض العصر ـ وهو في الماضي أكثر تعذراً مما هو في العصر الحالي.

ولهذا نجد أن محققي الأصوليين كالآمدي المتوفى 631هـ، اختار بشأن حكم جاحد المجمع عليه التفصيل، وهو أن لا يحكم بكفر من جحده، إلا إذا كان جاحداً لما كان داخلاً في حقيقة الإسلام، أو ما ثبت من الدين بالضرورة كالعبادات الخمس، ووجوب اعتقاد التوحيد والرسالة. وأما إن لم يكن كذلك فلا تكفير لجاحده (16). وقد مالت طائفة من علماء هذا العصر إلى عدم إمكان انعقاده. وأكتفى بذكر رأي عالمين مشهورين في هذا المجال، هما الشيخ/ محمد الخضري رحمه الله، والشيخ / عبدالوهاب خلاف رحمه الله.

يقول الشيخ / محمد الخضري:

" ويبقى هذا السؤال، وهو: هل أجمعوا فعلاً على الفتوى في مسألة عرضت عليهم، وهي من المسائل الاجتهادية؟ ويمكن الجواب على ذلك بأن هناك مسائل كثيرة لا نعلم فيها خلافاً بين الصحابة في هذا العصر، وهذا أكثر ما يمكن الحكم به، أما دعوى العلم بأنهم جميعاً، أفتواً بآراء متفقة، والتحقق من عدم المخالف فهي دعوى تحتاج إلى برهان يؤيدها. أما بعد هذا العصر، عصر اتساع المملكة، وانتقال الفقهاء إلى أمصار المسلمين، ونبوغ فقهاء آخرين من تابعيهم لا يكاد يحصرهم العد، مع الاختلاف في المنازع السياسة والأهواء المختلفة، فلا نظن دعوى وقوع الإجماع، إذ ذاك، مما يسهل على النفس قبوله، مع تسليم أنه وجدت مسائل كثيرة في هذا العصر، أيضاً، لا يعلم أن أحداً خالف في حكمها. ومن هنا نفهم عبارة أحمد بن حنبل من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس قد اختلفوا، ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا إذا لم يبلغه. وبعض فقهاء الحنابلة يرى أن الإمام يريد غير إجماع الصحابة ... " (17).

و أما الشيخ عبدالوهاب خلاف، فيقول:

" والذي أراه الراجح أن الإجماع بتعريفه وأركانه التي بيناها لا يمكن انعقاده، إذا وكل أمره إلى أفراد الأمم الإسلامية وشعوبها ويمكن انعقاده إذا تولت أمره الحكومات الإسلامية على اختلافها، فكل حكومة تستطيع أن تعين الشروط التي بتوافرها يبلغ الشخص مرتبة الاجتهاد، وأن تمنح الإجازة الاجتهادية لمن توافرت فيه هذه الشروط. وبهذا تستطيع كل حكومة أن تعرف مجتهديها وآراءهم في أي واقعة" (18). وقال:"وأما بعد عهد الصحابة، وفيما عدا هذه الفترة في الدولة الأموية بالأندلس، فلم ينعقد إجماع، ولم يتحقق اجتماع من أكثر المجتهدين لأجل التشريع"

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير