وكذا لو سبق ببعض الصلاة ورجا جماعة يدرك معهم الكل: أي إن غلب على ظنه وجودهم وكانوا مساوين لهذه الجماعة في جميع ما مر فمتى كان في هذه شيء مِمَّا يقدم به الجمع القليل كانت أولى)) (53).
وفي مغني المحتاج: ((فرع: دخل جماعة المسجد والإمام في التشهد الأخير، فعند القاضي حسين (54) يستحب لهم الإقتداء به، ولا يؤخرون الصلاة جماعة ثانية، وجزم المتولي بخلافه وكلام القاضي في موضع آخر يوافقه وهو المعتمد بل الأفضل للشخص إذا سبق ببعض الصلاة في الجماعة ورجا جماعة أخرى يدرك معها الصلاة جميعها في الوقت التأخير ليدركها بتمامها معها، وهذا إذا اقتصر على صلاة واحدة وإلاَّ فالأفضل له أن يصليها مع هؤلاء ثم يعيدها مع الآخرين)) (55).
القول الثالث: بناء المسألة على الخلاف فيما تدرك به الجماعة فعلى القول بأنها لا تدرك إلاَّ بركعة فإن كان المدرك أقل من ركعة وكان بعدها جماعة أخرى فصلى معهم في جماعة صلاة تامة، فهذا أفضل فإن هذا يكون مصلياً في جماعة بخلاف الأول، وإن كان المدرك ركعة أو كان أقل، وقلنا إنه يكون مدركاً للجماعة، فهذا قد تعارض إدراكه لهذه الجماعة وإدراكه للثانية من أولها فإن إدراك الجماعة من أولها أفضل كما جاء في إدراكها بحدها، فإن كانت الجماعتان سواء فالثانية من أولها أفضل وإن تميزت الأولى بكمال الفضيلة، أو كثرة الجمع، أو فضل الإمام، أو كونها الراتبة فهي في هذه الجهة أفضل وتلك من جهة إدراكها بحدها أفضل، وقد يترجح هذا تارة وهذا تارة، وأمَّا إن قدر أن الثانية أكمل أفعالاً وإماماً أو جماعة فهنا قد ترجحت من وجه آخر.
وهذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحِمَهُ اللهُ (56).
ونقل عنه في الفروع: إن تساوت الجماعتان فالثانية من أولها أفضل (57).
القول الرابع: إن أدرك جماعةٌ الإمام في التشهد الأخير فدخولهم معه أفضل وإن صلوا جماعة وحدهم فلا حرج، وبهذا أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز ابن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة (58).
واستدل بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أتيتم الصلاة فأتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " متفق عليه (59).
وهذا هو الراجح في نظري - والله أعلم - لأن لفظ الحديث عام في حق كل من أتى المسجد وقد فاته بعض الصلاة وهو أيضاً لم يفرق بين أن تكون الثانية أفضل أو الأولى، والله أعلم.
=================
(1) البحر الرائق 2/ 81، وتبيين الحقائق 1/ 184، ورد المحتار 2/ 514.
(2) هو: أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس التيمي الصقلي، الإمام الحافظ، أحد العلماء وأئمة الترجيح، ألف كتاباً في الفرائض وكتاباً حافلاً للمدونة، توفي في ربيع الآخر سنة 451 ?. انظر: شجرة النور ص 111.
(3) ينظر: التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 2/ 397، ومواهب الجليل 2/ 397، وحاشية الدسوقي 1/ 320، وابن رشد هو: القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، الفقيه المالكي، له مصنفات منها البيان والتحصيل، والمقدمات، ولد سنة 455 ?، وتوفي سنة 520 ?. انظر: شجرة النور ص 129.
(4) انظر: فتح العزيز 2/ 144، والمجموع 4/ 219، ومغني المحتاج 1/ 231.
(5) الإنصاف 2/ 221 وما بعدها، والمبدع 2/ 48، ودعوى الإجماع هنا لا تصح.
(6) سبق تخريجه ص 344.
(7) ينظر: الشرح الكبير مع المغني 2/ 9، والمبدع 2/ 48. (8) ينظر: العزيز شرح الوجيز 2/ 144.
(9) ينظر: المرجع السابق 4/ 219 وما بعدها.
(10) ينظر: المجموع 4/ 219.
(11) تبيين الحقائق 1/ 184، والبحر الرائق 2/ 81، ورد المحتار 2/ 514.
(12) ينظر: نهاية المحتاج 2/ 145.
(13) ينظر: الإنصاف 2/ 222، والمبدع 2/ 48.
(14) هو: عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي إبراهيم الأموي الأسنوي، نزيل القاهرة، جمال الدين، أبو محمد، شيخ الشافعية في وقته ومفتيهم، ولد في ذي الحجة سنة 704 ?، وله مصنفات عديدة منها: طبقات الفقهاء، وتصحيح التنبيه، وغير ذلك كثير، توفي سنة 772 ?. انظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3/ 98 ومابعدها.
(15) ينظر: نهاية المحتاج 2/ 145، ومغني المحتاج 1/ 231.
¥