وكما طُعِنَ في يزيد بن معاوية طُعِنَ في بقية خلفاء بني أمية لم يُستَثْنَ منهم خليفة واحد، اللهم إلا إذا كان عمر بن عبد العزيز، وهذا لم يُطعَن، به لصلاحه كما يتصوّر بعضهم، وإنما لِقِصَرِ مدّة خلافته التي لم تزد علي السنتين (99 - 101 هـ)، ولأنّ الذين يوجّهون الطُّعون أرادوا أن يظهروا بالعدل والإنصاف إذا استثنوا بعض الخلفاء، ومع ذلك كنا نسمع من المدرسين العلمانيين على هذا الخليفة الصالح أنه أراد تطبيق الإسلام وقد نسي أنه قد مضى عليه قرن من الزمن، الأمر الذي يدلّ على غبائه.
وعدمُ تَرْكِ خليفةٍ دون هجوم عليه لأنّ الطعن لم يكن موجّهاً بالحقيقة إلى أشخاصٍ بأعينهم، وإنما كان القصد الهجوم على الإسلام من خلال الطعن بالخلفاء والمسؤولين عن الدولة لذا جاء الهجوم عاماً، وإن كان يختلف من خليفة إلى آخر حسبما يجدون من ثغرات أو بالأصح حيث يجدون منفذاً يَلِجونَ منه وينفثون في داخله من سمومهم. فالخليفة الذي تقع في عهده أحداث يمكن الدسّ من خلالها يأخذون بالافتراء والكذب، فمثلاً: موت الحسن بن علي بن أبي طالب، وموت الأشتر النخعي، ومقتل حجر بن عدي، وبيعة خليفة قبل موت الخليفة القائم خوفاً من الأحداث، كل هذه الوقائع يتّهمون فيها معاوية بن أبي سفيان، ويهاجمونه أعنف الهجوم، وينسون صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والفتوحات في عهده، وحسنَ إدارته، وحكمته.
ويزيد بن معاوية طعنوا فيه من خلال حادثتي كربلاء، ووقعة الحرّة.
وهشام بن عبد الملك من خلال ثورة زيد ين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وابنه يحيى ابن زيد.
ومن لم تقع في عهده أحداثٌ يهاجمونه من خلال وُلاتِهِ، كما هي حال عبد الملك بن مروان الذين يسلّطون الأضواء في عهده على شدّة الحجّاج بن يوسف الثقفي.
وإذا مات خليفةٌ صغيراً اتّهموا به من بعدَه بقتله، حيث اتّهموا يزيد بن عبد الملك بدَسّ السّمّ لعمر ابن عبد العزيز، وإذا كان الخليفة ضعيفاً لم يهاجموه على ضعفه بل اتّهموه بالخَنا والمجون، وتأثير النساء عليه، والجري وراء شهواته، كالوليد بن يزيد.
وإذا مات قائد ولو بلغ من السنّ عِتيَّاً اتّهموا الخليفة به، فسليمان بن عبد الملك رثى لحال موسى بن نصير قائد الفتح في الأندلس الذي يُلقي بنفسه في المعارك، وقد زادت سنّه على الثمانين، فأراد إكرامه والإفادة من خبراته، فاستقدمه إلى دمشق واصطحبه معه لأداء فريضة الحجّ فوافاه أجله في المدينة فاتّهموا الخليفة بالخلاص منه.
حتّى لم ينجُ منهم معاوية الثاني بن يزيد بن معاوية الذي تنازل عن الخلافة وجعلها شورى للمسلمين كما يجب أن يفعله كل مسلم، فوجّهوا إليه سهام الضعف وعدم القدرة. ووجدوا أن مروان ابن محمد قد جاء إلى دمشق وأنهى موضوع الصراع على السلطة، وتسلّم الخلافة، وأخذ الأمر بالحزم، ولكن حطّت به الأيام للضعف الذي كانت قد وصلت إليه دولته وقوة خصمها الجديد اليانع العنيد فهاجموه، ولِقُوَّتِهِ أطلقوا عليه ‘الحمار’. فالضعيفُ جبانٌ، والقويُّ حِمارٌ، ومن مات في عهدهم كانوا هم ملك الموت، والذين يوزّعون بطاقات الموت، و ...
وعبد الله بن الزبير الخليفة الشرعي عَدُّوهُ ثائِراً، ولم يَجِدوا ثَغْرَةً في سُلوكهِ فاتَّهَموه بالبُخلِ.
بنى عبد الملك فكان عند الأعداء بِناءً سياسيّاً لتحويل المسلمين من الحجّ إلى مكة إلى الحجّ إلى بيت المقدس، وعدّوا ما جاء من أحاديث صحيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في شدِّ الرِّحال إلى المسجد الأقصى موضوعةً ونسبوها للزُّهري الذي وضعها تزلُّفاً لبني مروان.
وبنى الوليد بن عبد الملك فعدُّوا ذلك تبذيراً وإسرافاً.
وبهذا لم يسلم أحد من أقلام الحاقدين وألسنة المغرضين، وهذا أمر طبيعي ما داموا أعداءً للإسلام. ولكن الغريب كل الغرابة أن يكون ما تُدَوِّنُه أقلامهم ثقافةً لأجيالنا الذين يريدون أن يُواجهونهم فكريَّاً، وأن تكون مواطن فخر أحفادنا في التاريخ من تدوين أعدائهم، وأن يكون الجيلُ الثاني لتطبيق الإسلام أوّلَ من تخلّى عنه، بل إنّ كثيراً من الجيل الأوّل قد شهد هذا الابتعاد عنه ووافق عليه.
¥