[الصاع بين المقاييس القديمة والحديثة]
ـ[حارث همام]ــــــــ[10 - 12 - 05, 09:39 ص]ـ
هذا بحث كتبه الشيخ الفاضل أبو أسامة عبدالله بن منصور الغفيلي، وقد أعجبني إحكام بيانه المسألة، في سهولة وسلاسة عذبة، فأحببت أن أتحف بها الإخوة:
الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للناس أجمعين أما بعد:
فإن الشريعة أناطت بالصاع أحكاما عديدة كأنواع من الزكوات والكفارات؛ ولذا كان من الأهمية بمكان معرفة مقدار الصاع النبوي وتحديده، لاسيما وقد حدث خلاف كثير فيه بين الفقهاء المتقدمين والمعاصرين، ثم إن ظهور المقاييس الحديثة يؤكد بحث مقداره على وفقها، وقد اجتهدت في بيان ذلك في هذه الوريقات، ملتزما بالاختصار مع التحرير ما أمكن، وقد جعلت ذلك في مطلبين: فتحديده بالمقاييس القديمة في مطلب، وتحديده بالمقاييس الحديثة في مطلب آخر، سائلا المولى أن ينفع بها المستفيد، ويحقق بها بيت القصيد، ويكللها بالإخلاص والتسديد، إنه حميد مجيد ..
المطلب الأول: مقدار الصاع بالمقاييس القديمة
يتعين لبيان مقدار الصاع تحديد مقدار المد النبوي، ويتوقف ذلك على معرفة زنة الرطل، الذي يتبين بتحرير وزن الدرهم،كما سيأتي بيان وجه ذلك في المسائل الثلاث المعقودة لتفصيل تلك الأوزان، كما يلي:
المسألة الأولى: مقدار المُدُّ النبوي:
قدر جماعة من العلماء المُدَّ بأنه أربع حفنات بحفنة الرجل الوسط، أو بملء كفي الإنسان المعتدل إذا مدَّ يديه بهما ([1]).
هذا بالنظر إلى أن المد وحدة وكيل يقاس بها حجم ما يوضع فيها كما هو الحال في الصاع أيضاً، وقد عمد الكثير من العلماء إلى تحديد المد والصاع بالوزن؛ ليحفظ مقداره وينقل؛ لعدم وجود مقاييس متعارف عليها يضبط بها الحجم سابقاً، كما ذكر ذلك ابن قدامة فقال: والأصل فيه أي الصاع – الكيْل وإنما قدر بالوزن ليحفظ وينقل أ. هـ ([2]).
ولذا فقد قدر الفقهاء المد النبوي بالأرطال ([3])، فذهب جمهورهم إلى أن المد النبوي هو رطل وثلث ([4]).
مستدلين على ذلك بما جاء من الآثار الدالَّة أنَّ المعتمد في الكيل مكيال المدينة كما جاء عن ابن عمر _رضي الله عنهما_ أنه قال: "المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزانُ أهل مكة " ([5])، وهو مجمع عليه عند أهل الحجاز كما قال أبو عبيد: وأما أهل الحجار فلا اختلاف بينهم فيما أعلمه أنَّ الصاع خمسة أرطال وثلث، يعرفه عالمهم وجاهلهم، ويباع في أسواقهم، ويحمل علمه قرن عن قرن ([6]).
قال ابن حزم: «والاعتراض على أهل المدينة في صاعهم ومدهم كالمعترض على أهل مكة في موضع الصفا والمروة» ([7]).
المسألة الثانية: في مقدار الرطل:
والمقصود بالرطل المذكور في تحديد المد: هو الرطل البغدادي، وهو قول عامة الفقهاء ([8])، وقد اختلفوا في تحديد مقداره على أقوال متقاربة أقربها أنه يزن مئة وثمانية وعشرين درهماً وأربعة أسباع الدرهم، وهو الأصح عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة، وقولٌ للمالكية، ورجحه ابن تيمية ([9]) وابن قدامة وقال: والرطل العراقي: مئة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع الدرهم، ووزنه بالمثاقيل: تسعون مثقالاً، ثم زيد في الرطل مثقال آخر وهو درهم وثلاثة أسباع درهم، فصار إحدى وتسعين مثقالاً فكملت زنته بالدراهم مئة وثلاثين درهماً، والاعتبار بالأول قبل الزيادة ([10]).
المسألة الثالثة: مقدار وزن الدرهم ([11]):
لقد اختلف المعاصرون في زنة الدرهم بالموازيين الحديثة، وسبب خلافهم، هو اختلاف الفقهاء في زنة الدراهم بحبَّات الشعير، و اختلافهم في أنواع الدراهم، فأما اختلافهم في زنة الدراهم بحبات الشعير فعلى أقوال، أبرزها قولان:
القول الأول: إن وزن الدرهم الشرعي خمسون وخمسا حبة شعير، وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة ([12]).
القول الثاني: إن وزن الدرهم الشرعي سبعون حبة شعير، وهو قول الحنفية ([13])، ولم أقف على أدلة للفريقين، إلا أن الأرجح هو رأي الجمهور؛ وذلك لموافقة ذلك لما وجد من دنانير قديمة كما سيأتي بيانه.
ويمكن الجمع بين القولين بأن وزن الدرهم يتراوح ببينهما لاختلاف حبة الشعير ([14]).
¥