قوله: {ومن اتبعك من المؤمنين}. {من} اسم موصول مبنية على السكون، وفي عطفها رأيان لأهل العلم: قيل: حسبك الله، وحسبك من اتبعك من المؤمنين، فـ {من} معطوفة على الله لأنه أقرب، ولو كان العطف على الكاف في حسبك لوجب إعادة الجار، وهذا كقوله تعالى: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} [الأنفال: 62]، فالله أيد رسوله بالمؤمنين، فيكونون حسباً له هنا كما كان الله حسباً له.
وهذا ضعيف، والجواب عنه من وجوه:
أولا: قولهم عطف عليه لكونه أقرب ليس بصحيح، فقد يكون العطف على شيء سابق، حتى إن النحويين قالوا: إذا تعددت المعطوفات يكون العطف على الأول.
ثانياً: قولهم لو عطف على الكاف لوجب إعادة الجار، والصحيح أنه ليس بلازم، كما قال ابن مالك:
وليس عندي لازما إذ قد أتى ... في النظم والنثر الصحيح مثبتا
ثالثا: استدلالهم بقوله تعالى: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين}.
فالتأييد لهم غير كونهم حسبه، لأن معنى كونهم حسبه أن يعتمد عليهم، ومعنى كونهم يؤيدونه أي ينصرونه مع استقلاله بنفسه، وبينهما فرق.
رابعاً: أن الله - سبحانه - حينما يذكر الحسب يخلصه لنفسه، قال تعالى:
{ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله} [التوبه: 59]، ففرق بين الحسب والإيتاء، وقال تعالى: {قل حسبي الله عليه يتوكل المؤمنون} [الزمر: 38]، فكما أن التوكل على غير الله لا يجوز، فكذلك الحسب لا يمكن أن يكون غير الله حسباً، فلو كان، لجاز التوكل عليه، ولكن الحسب هو الله، وهو الذي عليه يتوكل المتوكلون.
خامساً: أن في قوله: {ومن اتبعك} ما يمنع أن يكون الصحابة حسباً للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لأنهم تابعون، فكيف يكون التابع حسباً للمتبوع؟! هذا لا يستقيم أبداً، فالصواب أنه معطوف على الكاف في قوله: {حسبك}، أي: وحسب من اتبعك من المؤمنين، فتوكلوا عليه جميعاً أنت ومن اتبعك] اهـ.
الفائدة السابعة عشرة بعد المائة: أثر في الصحيح يَرِد على من قال: إن ابن عباس يروي عن بني إسرائيل.
في باب: قول الله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}.
قال – رحمه الله تعالى -:
[قولنا: " وابن عباس ممن يروي عن بني إسرائيل " قول مشهور عند علماء المصطلح، لكن فيه نظر، فإن ابن عباس -رضي الله عنهما- ممن ينكر الأخذ عن بني إسرائيل، ففي " صحيح البخاري" (5/ 291 - فتح) أنه قال: " يا معشر المسلمين! كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله، وغيروا بأيديهم الكتاب؟! فقالوا: هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟! ولا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم "] اهـ.
الفائدة الثامنة عشرة بعد المائة: قاعدة مفيدة: إن أردت أن تعرف هل المصدر مضاف إلى مفعوله أو مضاف إلى فاعله.
في باب: من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا.
قال – رحمه الله تعالى -:
قوله: " من الشرك ". " من " للتبعيض، أي: بعض الشرك.
قوله: " الدنيا ". مفعول بإرادة، لأن إرادة مصدر مضاف إلى فاعله، وإذا أردت أن تعرف المصدر إن كان مضافاً إلى فاعله أو مفعوله، فحوله إلى فعل مضارع مقرون بأن، فإذا قلنا: باب من الشرك أن يريد الإنسان بعمله الدنيا، فالإنسان فاعل، وعلى هذا "فإرادة" مصدر مضاف إلى فاعله، و"الدنيا" مفعول به] اهـ.
الفائدة التاسعة عشرة بعد المائة: خطأ من إذا تكلم عن فوائد العبادات تكلم عن الفوائد الدنيوية.
في باب: من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا.
قال –رحمه الله تعالى-:
[بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية!
فمثلاً يقولون: في الصلاة رياضة وإفادة للأعصاب، وفي الصيام فائدة إزالة الرطوبة وترتيب الوجبات، والمفروض ألا نجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل، لأن الله لم يذكر ذلك في كتابه، بل ذكر أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر.
¥