قال عطاء: فسمعت سعيد بن المسيب يقول يومئذ: والله لوددت أنهم تركوها على حالها، ينشأ ناشئ من أهل المدينة، ويقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فيكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر، والتفاخر.
قال معاذ: فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمر بن أبي أنس: كان منها أربعة أبيات بلبن لها حُجَر من جريد، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها، على أبوابها مسوح الشعر، وذرعت الستر فوجدته ثلاث أذرع في ذراع، والعظم، أو أدنى من العظم، فأما ما ذكرت من البكاء يومئذ فلقد رأيتني في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وخارجة بن زيد بن ثابت وإنهم ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمع، وقال يومئذ أبو أمامة: ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء، ويروا ما رضي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ومفاتيح الدنيا بيده). وهذا الأثر رواه محمد بن سعد عن محمد بن عمر عن معاذ بن محمد الأنصاري.
و قد تكلم الحفاظ في رجال إسناده مثل محمد بن عمر ومعاذ بن محمد الأنصاري.
وهكذا عمران بن أبي أنس. الذي تكلم بعد عطاء الخراساني فإن عمران قال عنه البخاري منكر الحديث.
ومن المعلوم أن كتب السير تجمع الصحيح والمنكر وقد قال ابن جرير رحمه الله في تاريخه: (ومعلوم أن المؤرخين لا يهتمون بالسند وصحته، وإنما ينقلون ما يبلغهم ويجعلون العهدة على من حدثهم) أ ـ هـ.
وقال الحافظ زين الدين العراقي:
وليعلم الطالب أن السير تجمع ما صح وما قد أنكر
وكم أتعجب من الكاتب حينما يأتي بأخبار السير ولم يأتِ في بحثه بحديث واحد صحيح في بيان الاهتمام بهذه الآثار والأماكن.
وكان الواجب على الكاتب أن يبحث عن الأحاديث الصحيحة الثابتة وأن لا يعول على الأخبار والسير.
خامساً: ذكر الكاتب بأن السلف حرصوا على ترميم تلك الأماكن ودونوها في كتبهم، كتب التاريخ والسيرة النبوية، وسير الصحابة وكتب المناسك ... الخ.
ونقول للكاتب: واهتمامهم بشيء من ذلك كاهتمامهم بنقل أخبار الأصنام والأوثان وأماكنها ... وكاهتمامهم بنقل أخبار المشركين والوقائع التي وقعت بين المشركين أنفسهم وأماكنها، ومن قرأ في كتاب ابن إسحاق في السيرة ظهر له ذلك.
بل وأُفرِدت كتب عن الأصنام وأماكنها مثل كتاب الأصنام لابن الكلبي، وذكر أغلب هذه المعبودات الأرضية.
فآثار الصالحين وأماكنهم ليس لها خصوصية في النقل.
وكان تدوينهم لذلك كله نقلٌ للأخبار والأحداث. ولم يكن تدوينهم للاعتقاد ولإحياء تلك الأماكن بالعبادة عندها.
كما أنهم لمّا نقلوا تلك الأخبار عن الأصنام وغيرها لم يكن لشدِّ الرحال إليها.
ولذلك لا تجد في كتب السنة دعوة إلى إقامة المساجد في أماكن الصالحين .. ولا إحياء أماكنهم بالعبادة. ولا الحث على الذهب إلى تلك الأماكن وتتبعها.
وإنما تجد فيها التحذير من الغلو في تلك الأماكن.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الفتاوى 27/ 444: (بأنه ليس في معرفة قبور الأنبياء بأعيانها فائدة شرعية. وليس حفظ ذلك من الدين. ولو كان من الدين لحفظه الله كما حفظ سائر الدين). أ ـ هـ.
سادساً: ذكر الكاتب أن الملك عبدالعزيز رحمه الله كان له رعاية واهتمام بالأماكن التاريخية الإسلامية .. وأنه وظف تلك الأماكن توظيفاً عصرياً عقلانياً. (صحيفة عكاظ 3/ 3/1427هـ)
ثم قال: ونحن واثقون في هذا العهد المبارك عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود أن يطور هذا الموقع (مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم) بزخمه الإسلامي والتاريخي بما يتلاءم والتطور الفكري والعلمي، والمادي لهذه البلاد في عهده الميمون، وأن يسجل له التاريخ كما سجل لوالده رحمه الله من المآثر ما يشيد به شكراً، وثناءاً عطراً ... الخ
كما في صحيفة عكاظ 11/ 3/1427هـ.
وكلام الكاتب غير صحيح.
فالملك عبدالعزيز رحمه الله لم يعتنِ بالآثار .. ولم يعرف عنه كلمةٌ واحدة للاهتمام بالآثار .. وتشييدها وجعلها مزاراً.
وإنما عرف عنه محاربته للشرك والبدع والخرافة. وهدم القباب والمعالم الشركية فرحمه الله رحمة واسعة.
¥