[(نظرات في الأعماق]
ـ[خالد مبارك عريج]ــــــــ[20 - 06 - 10, 11:27 ص]ـ
[(نظرات في الأعماق]
الحمد للذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم, الحمد لمن جعل من أعظم صفات عباده الأبرار التفكر و التدبر فقال جل من قائل (إن في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكرون في خلق السماوات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) , و أصلي و أسلم على أعظم المتدبرين و المتفكرين و الذي كان التفكر سمة له حتى قبل البعثة فكان يذهب إلى غار حراء الليالي ذوات العدد متفكرا في ملكوت الله معتبرا , فصلى الله على خير من وطئ الأرض و خير من أقلت السماء محمد بن عبدالله و على اله و صحابته أجمعين و بعد:
فإن من أعظم ما تميز به بنو الإنس عن غيرهم من المخلوقات هو أن وهبهم الله تعالى هذا العقل , و الذي هو مناط التكليف في كثير من العبادات إن لم يكن كلها بل قد ثبت عند أصحاب السنن قوله صلى الله عليه و سلم (رفع القلم عن ثلاث: المجنون حتى يفيق , و النائم حتى يستيقظ, و الصغير حتى يبلغ) و في نظرة تحليلية لهذا الحديث نرى أن المدار فيها كلها على وجود العقل و اعتباره مناطا عظيما للتكليف فالمجنون الذي فقد عقله بالكلية لا يحاسبه الله تعالى لفقدانه مناط التكليف ,و مثله النائم و الذي فقد عقله فقدا مؤقتا فإن الله عز و جل لا يؤاخذه بما حصل منه أثناء النوم , و كذلك الصغير و الذي لم ينضج عقله النضج الكامل فيفهم مقاصد التشريع و ينقاد إليها انقيادا كاملا فهو مرفوع القلم عنه أيضا بغض النظر عن بعض التفصيلات و الذي يذكرها الفقهاء في التفريق بين حقوق الله و حقوق العباد , و لكن هذا من باب العموم , فنرى في الحديث رفع القلم عن حالات ضعف العقل الثلاثة و هي إما فقده بالكلية كالمجنون , أو فقده مؤقتا كالنائم , أو نقصه كالصغير. و اختلف العلماء في المغمى عليه هل يلحق بالنائم أم بالمجنون في مسألة فرعوا عليها بعض المسائل.
و لما كان العقل هو النقطة الفارقة بين الإنسان و غيره من الكائنات , كان لزاما على الإنسان أن يستخدم هذا العقل استخداما سليما فيما خلقه الله له و ألا يضرب هذا العقل بأي ضرر, فحرم الإسلام الخمر و كل المسكرات و المخدرات لما فيها من الضرر على العقل , و ذلك لأن حفظ العقل من الضروريات الخمس و التي أجمعت الشرائع السماوية على وجوب حفظها.
و من الأمور التي تفتق عقل الإنسان و تزيده يقينا و إيمان بالله تعالى هو التفكر و التدبر , و الفكر هو إعمال العقل في الشئ بأن تعرض أمامك مسألة أو قضية فتعمل عقلك فيها بحثا و استنتاجا فتخلص إلى النتيجة و التي تزيد إيمانك بالقضية المفكر فيها على الوجه الذي فكرت فيها به.
و من هذا الباب كان هذا الكتاب فهو إعمال لهذا العقل و الذي تحتويه جمجمتي _ و إن كان هناك من الفضلاء من قال أن العقل محله القلب لكن لا ثمرة في الخلاف _ في بعض المقتطفات التي قد تكون قرآنية بعض الأحيان و قد تكون من بحر المصطفى اغترافي لها , أو من بحار الصحابة أو السلف أو العلماء و الأدباء و الشعراء و غيرهم. و الحكمة أن نضئ إضاءات قد يكون هناك من أضاءها قبلنا و قد نكون نحن السابقون لها و لكن الهدف هو التدبر و التفكر ..
كتبه: خالد مبارك عريج
خميس مشيط 8/ 7/1430هـ
النظرة الأولى
(يا أيها الناس)
قال تعالى (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
هذه الاية في سورة البقرة و هي في الترتيب العثماني للمصحف تقع ثانية بعد سورة الفاتحة, و سورة البقرة جلها مدنية إن لم يكن كلها , لأن القول بأن بعض السورة مدني و بعضها مكي اعترض عليه فضيلة الإمام ابن العثيمين رحمه الله تعالى , و قال إن هذا يحتاج لنص صريح في ذلك.
هذه الاية ذكرها الله تعالى بعد أن ذكر أقسام الناس من مؤمن و كافر و منافق و ضرب الامثال النارية و المائية على حد تعبير المفسر ابن كثير في ذكر حال المنافقين.
يبتدئ الله تعالى الاية بحرف النداء (يا) و ما أعظم هذا الأسلوب في شد أذهان السامعين و في لفت أنظارهم , لأن المنادي هو الله تعالى و هو ملك الملوك , و المنادى بفتح الدال هم الناس فحق لهؤلاء الناس أن يرعوا أسماعهم لما سوف يذكره الله تعالى.
¥