صلّى الله عليه وسلّّم , وأنّه لم يكن قط في الإسلام قبل الوقت الذي ذكرنا مسلم واحد فصاعدا على هذه البدعة , ولا وُجد فيهم رجل يُقلّد عالما بعينه , فيتّبع أقواله في الفتيا , فيأخذ بها ولا يُخالف شيئا منها , ثمّ ابتدأت هذه البدعة من حين ذكرنا في العصر الرابع في القرن المذموم , ثمّ لم تزل تزيد حتّى عمّت بعد المائتين من الهجرة عموما طبق الأرض , إلا من عصم الله عزّ وجلّ , وتمسّك بالأمر الأوّل الذي كان عليه الصحابة والتابعون , وتابعوا التابعين بلا خلاف من أحد من أحد منهم. نسأل الله تعالى , أن يُثبّتنا عليه , وألا يعدل بنا عنه , وأن يتوب على من تورّط في هذه الكبيرة من إخواننا المسلمين , وأن يفئ بهم إلى منهاج سلفهم الصالح " [99].
ثمّ إنّ الإمام ابن حزم في تحريمه للتقليد لا يُفرّق بين العالم والعامّي فالكلّ يُحرم عليه التقليد , إذ يقول: " قال أبو محمّد , رحمه الله تعالى: والعامّي والعالم في ذلك سواء. وعلى كلّ أحد حظّه الذي يقدر عليه من الاجتهاد " [100].
وقال في موضع آخر: " فإن قال قائل: فكيف يصنع العامي إذا نزلت به نازلة؟
قال أبو محمّد: فالجواب وبالله تعالى التوفيق إنّا بيّنّّّّّّّّّّّّّّّّّّا تحريم الله تعالى للتقليد جملة , ولم يخصّ الله تعالى بذلك عامّيّا من عالم , ولا عالما من عامّي , وخطاب الله تعالى متوجّه إلى كلّ أحد , فالتقليد حرام على العبد المجلوب من بلده , والعامّي , والعذراء المخدّرة , والراعي في شُغف الجبال , كما هو حرام على العالم المتبحّر ولا فرق , والاجتهاد في طلب حكم الله تعالى ورسوله , صلّى الله عليه وسلّم , في كلّ ما خصّ المرء من دينه , لازم لكلّ من ذكرنا , كلزومه للعالم المتبحّر ولا فرق , فمن قلّد من كل من ذكرنا فقد عصى الله عزّ وجل , وأثم , ولكن يختلفون في كيفيّة الاجتهاد فلا يلزم المرء منه إلا مقدار ما يستطيع عليه " [101].
هذا رأي الإمام ابن حزم في التقليد , ولكنّ السؤال الذي يُطرح هنا , هل يوجب الإمام ابن حزم الاجتهاد على العامّي؟ بمعنى هل يرى أنّ كلّ إنسان يجب عليه أن يكون مجتهدا؟ أم أنّه يُفرّق بين العالم والعامّي في مسألة التقليد؟
الصحيح ومن خلال تتبّع أقوال الإمام ابن حزم في المسألة , أرى – والله أعلم – أنّه فرّق بين العالم والعامّي في المسالة , فهو يرى أنّ مراتب العلم والاجتهاد تختلف من شخص لآخر , ولهذا قال بتحريم الاجتهاد على من ملك آلته , ومن توفّرت عنده أدوات الاجتهاد [102].
وفي المقابل نجد أنّ الإمام ابن حزم لا يوجب الاجتهاد على العامّي , وإنّما يقول أنّ الممنوع بالنسبة للعامّي وكما يرى الأستاذ أبو زهرة أمران:
" أحدهما: أن يُقلّد إماما بعينه , فإنّ المقلّد لهذا الإمام معناه أنّه يتّبع مذهبه ويقول هو شرع الله تعالى , مع أنّ شرع الله تعالى هو ما اشتمل عليه الكتاب والسنّة.
ثانيهما: أن يقبل فتوى من غيره من غير أن يسنده إلى كتاب الله تعالى أو سنّة رسوله أو يُقرّر مفتيه أنّ ذلك حكم الله؛ فإن قال إنّ هذا مذهب فلان أو فلان يجب عليه أن يذهب إلى من يقول هذا حكم الله , لا مذهب مالك أو الشافعيّ , أو أحمد , أو داوود , أو أبي عبد الله جعفر الصادق , وعلى ذلك نستطيع أن نقول إنّ ابن حزم لا يُطالب العامّي بأن يترك عمله ويتعرّف حكم الله من الكتاب والسنّة مباشرة فيتعطّل العمران بسبب ذلك " [103].
يقول الإمام ابن حزم: " فعلى كلّ أحد حظّه من الاجتهاد , ومقدار طاقته منه , فاجتهاد العامّي إذا سأل العالم على أمور دينه فأفتاه أن يقول له: هكذا أمر الله ورسوله؟ فإن قال له نعم , أخذ بقوله , ولم يلزمه أكثر من هذا البحث , وإن قال لا , أو قال له: هذا قولي , أو قال له: هذا قول مالك أو ابن القاسم أو أبي حنيفة , أو أبي يوسف أو الشافعيّ , أو أحمد , أو داود , أو سمّى له أحد من صاحب أو تابع فمن دونهما غير النبيّ , صلّى اللهى عليه وسلّم , أو انتهزه أو سكت عنه: فحرام على السائل أن يأخذ بفتياه , وفرض عليه أن يسأل غيره من العلماء وأن يطلبه حيث كان , إذ إنّما يسأل المسلم من سأل من العلماء عن نازلة تنزل به ليُخبره بحكم الله تعالى , وحكم محمّد , صلّى الله عليه وسلّم , في ذلك , وما يجب في دين الإسلام في تلك المسألة , ولو علم أنّه يُفتيه
¥