ورَغْمَ الغَوصِ في الغَربِيِّ مِنها == فَلَم يَغْرَقْ كَشَأْنِ الأَكْثَرِينا
ولم تَمْسَخْ لدَى النَّدْوِيِّ أَصْلاً == ولَا شَكْلًا ولَا فَقَدَ الحَنِينا
يُذَكِّرُ بِالصَّحابَةِ كَيفَ خَاضُوا == بِلَا بَلَلٍ بِدُنْيَا الغَارِقِينا
ولمْ يَنْصَبْ أَئِمَّتُنا لِعَيشٍ == ولَا اكْتَسَبُوا المَرَافِقَ والشُّئُونا
أمَا عاشَ الرسولُ علَى كَفَافٍ == وكانَ بِمَسْكَنٍ إِذْ كانَ طِينا؟
وخَيَّرَ نِسْوَةً زَوْجَاتِ صِدْقٍ == فَآثَرْنَ البَسَاطَةَ مَا بَقِينا
ولَو شَاءَ الرسولُ لَعَاشَ فَرْداً == فَرِيداً في المُلُوكِ النَّاعِمِينا
ولَكِنْ سَنَّ لِلتَّغْيِيْرِ نَهْجاً == هُوَ الأَهْدَى وجَرَّبْنا قُرُونا
ولَيْسَ يُحَرِّمُ الزِّينَاتِ لَكِنْ == بِهذا العَزْمِ أَمَّ المُؤمِنينا
ومَن طَلَبَ الإِمَامَةَ دُونَ هَدْيٍ == كَهَذَا الَهدْيِ حَتْماً لَنْ تَكُونا
أَقِيمُوا دَولَةَ الإِسلامِ فِيكم == تَقُمْ في أَرْضِكِم حِصْناً حَصِينا
وفي السُّودانِ دَرْسٌ أَيُّ دَرْسٍ == بِهَذا العَصْرِ لِلمُسْتَعْصِرِينا
ومَا التَّجْدِيدُ فِيمَا يَنْشُدُونا == سِوَى تَرْوِيجِ مَا يَسْتَورِدُونا
ومَن يَكُ بِالهُدَى فِيهم غَرِيباً == فَطُوبَى هَا هُنَا لِلمُغْرِبِينا
وتَجْدِيدُ الهُدَى عَوْدٌ لِبَدْءٍ == لِمنْهَاجِ الصِّحَابِ السَّابِقِينا
بِه ِتُرْجَى النَّجَاةُ ولَا انْقِطَاعٌ == لِطائِفَةِ النَّجاةِ الظاهِرِينا
أَئِمَّتُنا ثَلاثَتُهم مِثَالٌ == ولا يَرضَونَ بِدْعًا أو مُجُونا
ورَبَّوا لِلخِلافةِ جِيلَ صِدْقٍ == بِأَقطارِ البَسيطةِ جاهِزِينا
وبِالمِنهاجِ صارَ لهم إِطارٌ == إذا استَرخَى إِطارُ المُعْصِرِينا
وهُم يَسعَونَ في فُسْطاطِ دِينٍ == إذا اسْتَسْعَى النِّفَاقُ الآخَرِينا
ومَنهجُهم شُمُولٌ واعتِدالٌ == ويَحْمُونَ العقيدةَ جَاهِدِينا
وسَبْقٌ لِلجماعةِ في صلاةٍ == وفي الأَسحارِ كانوا ساجِدِينا
وكالتصويرِ ما فيه اشْتِبَاهٌ == تَحَاشَوا فِعْلَهُ مُتَوَرِّعِينا
ولَيسوا عِصمةً مِن كُلِّ عَيْبٍ == وخَيرُ الهَدْيِ هَدْيُ المُرسَلِينا
وما ارتاضُوا مع السُّفَرَاءِ حِيناً == ولا ارتاضُوا مع الحُكّامِ حِينا
ولن يَعْيَا المُخَلِّطُ لو أرادُوا == بِأَنْ يَحيَا بِتَخْلِيطٍ مَكِينا
ومِثل الغَيرِ يَزْعُمُ كُلَّ خَيرٍ == ويَجْمَعُ مِثْلَهُ رَغَداً وطِينا
ولن تَرضَى اليهودُ ولا النصارَى == ولا الأَذْيَالُ إلا المُفْسِدِينا
ومَن صَحِبَ الوُلَاةَ بِلَا اعتِزَازٍ == ولا لَاقَى مِن الذِّكْرَى مُعِينا
فَقَد أَلْقَى يَدَيْهِ بِلَا احْتِرَازٍ == وأَرْدَى نَفْسَهُ في الهَالِكِينا
وقد صدَقَ الرسولُ فَمَن أَتَاهُم == إِلَى أَبْوابِهم لَقِيَ الفُتُونا
وكم مِن قَادَةٍ في الدِّينِ فَرُّوا == بَعيداً عن بَلاطِ الحاكِمِينا
بِرَغْمِ الفِقهِ والتقْوَى وقَرْنٍ == أَنَاخَ بِبَعضِهم في التَّابِعِينا
فلَا البَصْرِيُّ والثِّورِيُّ أَخْذَى == ولا النُّعمان ُأَوشَكَ أَنْ يَلِينا
ويَزْهَدُ مَالِكٌ فِيهم ويُؤْذَى == ويَقْفُو الشافِعِيُّ الأَوَّلِينا
ويَصْمُدُ أَحْمَدٌ كالطَّودِ صَمْداً == ولو أَرْضَى الوُلَاةَ أَضَاعَ دِينا
أَصِحِّاءُ السِّياسَةِ كُلُّ حِصْنٍ == بَنَى بِالشَّرْعِ مَوْقِعَهُ الَحصِينا
فَأَرْسَى الشَّرْعَ لا يَخْشَى مَلَامًا == ولم يَلْحَقْ بِرَكْبِ الُمدْهِنِينا
إِذَنْ لَاخْتَارَ يُوسُفَ في التّأَسِّي == ودَفْعِ الَجوْرِ جَوْرِ القَاسِطِينا
وخَيرُ الناسِ أَفْضَلُهم جِهَاداً == بِنَصْرِ الَحقِّ عند الجائِرِينا
وبَيْنَ الِّلينِ والإِدْهَانِ فَرْقٌ == يُضَاهِي الخَيْزُرَانَةَ والدُّهُونا
رَوَى النَّدْوِيُّ ما نَقَلَ السِّبَاعِي == عن البَنَّاءِ بَعْدَ الأَرْبَعِينا
بِتَأْخِيرِالسياسةِ و التَّصَدِّي == ِلمَأْساةِ التَّناَفُسِ أَنْ تَكُونا
رَوَاهُ لِشَرْقِنا في ذِكْرَيَاتٍ == لهُ إِذْ سَاحَ لا كالسَّائِحِينا (1)
كَمَا أَهْدَى إلى (الإخوانِ) بحثاً == وسَمَّاهُ التَّحَدُّثَ لِلْأَخِينا (2)
وحَدَّ به السياسةَ عند حَدٍّ == لإِنصَافِ الفُروضِ الآخَرِينا
ونالَ بِمكْتبِ الإِرشادِ فَهْماً == وتَعْمِيماً وتَقْديماً رَصِينا
وما خَوضُ السياسةِ في فَرِيقٍ == غَرِيقٍ في الخَطَايَا كَاذِبِينا
¥