تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وببعض هذا التّفكيك يتبيّن لنا أنّ هذا النّصّ يقتصد في اصطناع اللّغة فلا يختلف فيها إلاّ خمسُ سِمَاتٍ لفظيّة في كلّ نَسيجةٍ أسلوبيّة، تتنوّع أربعَ مرّات، لكنّها في بنيتها النّسجيّة لا تمثّل الاختلاف، ولكنّها تمثّل الائتلاف؛ لأنّها مستويَةُ القيم الإيقاعيّة المتقابلة، فيتكرّر ذلك في النّسائجِ الخمسِ المعروضة للتشريح، كما يمثُلُ ذلك في الجدول الآتي:

ناجمة

نازلة

داجية

داهِمة

غاشية

الضلال

الفزع

الشك

البلاء

الفتنة

نُوراً

واقيَة

عِلْماً

دِرعاً

ردءاً

الهداية

الثبات

اليقين

الصبر

السكينة

في حين أنّا نجد النّصّ يصطنع أدواتٍ أخرى من الكلام فتتكرّر بنفسها متقابلة على سبيل التشاكل اللّفظيّ، وهي:

في = وتتكرّر خمسَ مرّاتٍ؛

كلّ= وتتكرّر خمسَ مرّات؛

مِن + من = وتتكرّر هي أيضاً خمسَ مرّات.

فهذه الأدوات تتردّد، بحكم ذلك، عشرين مرّة عوض مرّةٍ واحدة، في بقيّة السمات اللّفظيّةِ التي وقع منها، أو بها، تدبيجُ النّسائجِ الخمسِ.

غير أنّ الاختلاف الذي حدث في بقيّة السّمات اللّفظيّة لم يكن إلاّ صوريّاً، لأنّ كلّ سمة لفظيّة تشاكل صِنْوتَها اللّفظيّةَ الأخرى كما قدّمناها. كما أنّها تتشاكل من حيث معناها فنجدها تتقارب فيما بينها، كما يبدو ذلك من خلال عرْضها في الجدول السّابق.

فكلّ تشكيلة من السّمات، كما عُرِضتْ في الجدول، تُفضي إلى معانٍ متقاربة تجعلها تتشاكل فيما بينها من وجهة، وتتباين حين تتقابل من وجهة أخرى:

الفتنة؛ البلاء؛ الشكّ؛ الفزع؛ الضلال: وتجسّد هذه، فيما بينها، التشاكلَ المعنويّ؛

السكينة؛ الصبر؛ اليقين؛ الثبات؛ الهداية: وتجسّد هذه السماتُ اللّفظيّة أيضاً التشاكل المعنويّ فيما بينها. فكأنّ هذه القيم اللّغويّة يوازيها السّلّم الرياضيّاتيّ: أ+ أ+ أ+ أ+ أ= 5 أ

لكنّنا إن قابلناها، ولا بدّ من ذلك –لأنّ في الاختلاف تثبت الدّلالة- تتولّد عنها قِيَمُ التباين، إذ:

الفتنة تقابلها السكينة؛

البلاء يقابله الصبر؛

الشّكّ يقابله اليقين؛

الفزع يقابله الثبات؛

الضلال تقابله الهداية.

من حيث يوازي هذه القيمَ اللّفظيّة المختلفة المعاني ما يمكن تقديمه على هذا النحو:

(أ+ ب) + (أ+ب) + (أ+ب) + (أ+ب) + (أ+ب) = 5أ + 5ب

غير أنّ كلّ ذلك لا يكشف عن سرور الإبراهيمي ولا استفزاز السعادة لنفسه؛ ولكنّ الذي يكشف عنه ما في بعض الفقرة الآتية من المقالة الاستهلاليّة نفسِها، وذلك حين يقول:

«وهذه جريدة «البصائر» تعود إلى الظهور بعد احتجاب طال أمده؛ وكما تعود الشمس إلى الإشراق بعد التّغيّب، وتعود الشجرة إلى الإيراق بعد التّسلّب؛ فلا يكون اعتكار الظلام، وإن جلّل الأفق بسَواده، إلاّ معنىً من معاني التشويق إلى الشمس. ولا يكون صُرُّ الشتاء، وإن أعرى الأشجارَ باشتداده، إلاّ خَزْناً لقوّة الحياة في الأشجار. والشمس موجودة وإن غابتْ عن نصف الكون، والشجرة حيّةٌ وإن أفقدها الصُّرُّ جمالَ اللّون. كذلك صحيفة البصائر احتجبتْ صورتُها عن العِيان، وإن كانتْ حيّةً في النفوس ممثَّلة في الأفكار».13

لكي نتحسّس جمال النسْج، وأسرار الصّناعة الأسلوبيّة في هذا الكلام، علينا أن نعيد تقديمه نسائجَ نسائجَ، حسَبَ ما كان في أصل الصناعة الكلاميّة، مع ضرورة النَّبَهِ إلى قيام كلام عامّة كبار الكتّاب في العربيّة على التُّكَأَةِ على ما نطلق عليه «الوتَد الأسلوبيّ» الذي هو كلام غير متناسق نسْجيّاً مع ما بعده من الوجهة الإيقاعيّة؛ ولكنّه يظلّ مُرْتَكزاً ضروريّاً لقيام الدّلالة:

1. الوتد الأسلوبيّ:

«وهذه جريدة البصائر تعود إلى الظهور بعد احتجاب طال أمدُه»:

2. عرْض النّسائج الناشئة عن هذا الوتد:

النّسيجة الأولى:

- «وكما: تعود الشمس إلى الإشراق، بعد التّغيّب؛

-وتعود الشجرة إلى الإيراق، بعد التّسلّب.

النسيجة الثانية:

-فلا يكون اعتكارُ الظّلامِ: وإن جلّلَ الأفقَ، بسَواده، إلاّ معنىً من معاني التشويق إلى الشّمس؛

-ولا يكون صُرُّ الشّتاء: وإن أعرى الأشجارَ، باشتداده، إلاّ خَزْناً لقوّة الحياة في الأشجار.

النسيجة الثالثة:

-والشمس موجودةٌ، وإن غابتْ عن نصْف الكون؛

-والشجرةُ حيّةٌ، وإن أفقدها الصّرُّ جمالَ اللّون.

النسيجة الخامسة:

-كذلك صحيفة البصائر: احتجبتْ صورتها عن العِيان؛

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير