تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تقع هذه المنطقة بعيداً عن الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية بمسافة (160) كيلوا متر تقريباً , في الطريق المؤدي لمكة ويعرف بطريق الطائف , ولد ابن جبرين في قلب الجزيرة الصحراوي حيث عَرَف الرمال والتلال , وعرف المزارع والأشجار التي هي واحات في عمق الصحراء , تنقل على ظهور الجمال , , ذاق حرارة الشمس النجدية , جلس بجوار أشجار الغضا يناجيها وتناجيه , وسرح ببصره في جلال وعظمة الكون ليلاً ونهاراً.

لعب وقفز على بيوت الطين المنتشرة هناك , شرب من مياه الآبار الضحلة وجلس على أطرافها يسمع الأخبار والحكايات , لبس الملابس المتواضعة في قريته الطينية , لم يلبس الغالي والنفيس , لم يفكر في شراء أثواب كل شهر أو شهرين , بل كان مثل أبناء الجزيرة العربية آنذاك يفرح بالثوب والثوبين من العيد إلى العيد , عاش بين الناس الذين تقاربت مستويات معيشتهم , عاش بآمالهم , وعاش بأحلامهم , وتغنى بمستقبلهم , ضحك بين النخيل , جرى مع الطيور والعصافير يداعبها وتداعبه , وجرى مع الصبية وهم يلهون بين ماء الزروع وبقايا الغنم والإبل هناك , يراه الناس وهو قد ملأ الطين رجليه وساقيه النحيلتين ويفرح بذلك الجو البهيج فهو يعتبر ذلك شعاراً للإنسان الحر النبيل.

لم يكن والده في القرية رجلاً عادياً بل كان من المتعلمين , ولذلك أحاط ولده برعايته , ونشأ بن جبرين بين أبوين حنونين في بيوت الطين الجميلة , حيث الحياة الريفية الهادئة البعيدة عن منغصات المدن , حفظ القرآن وهو صغير , تعلم على طريقة الكتاتيب والكتابة في الألواح , نشأ بين مكتبة والده وقرأ عليه عدداً من العلوم , وتنقل على شيوخ القرى يطلب العلم , ومنهم شيخه الأكبر الذي يدعى عند الناس أبو حبيب واسمه (عبد العزيز الشثري) فقرأ عليه كثيراً من العلوم والفنون ولازمه ملازمة كثيرة وطويلة , يراه الناس بين المزارع والنخيل وهو يمشي على قدميه ليسمع من شيخ في قرية أخرى أو يرحل لقرية أخواله , وأحياناً يركب الجمل إذا كان المكان بعيداً يحتاج لوقت طويل ليسمع حديثهم ويتعلم منهم.

في قريته أوفي طريقه لزيارة القرى , يلتقي مع الناس على سجيتهم , يشاركهم البيع والشراء , يسمع قصصهم وأخبارهم وغزواتهم ومعاركهم , يتعلم طريقة الحياة , يرى الفلاح والعالم والشاعر كيف تتلاحم أواصر المحبة بينهم في القرية الصغيرة , نشأ وشبّ وكبر في قريته وبين أهله وذويه , ربما رحل مع والدته إلى أخواله في موسم التمر حين يشتد , فيسير بين الرمال والتلال والكثبان وفي بطون الأودية وهو فرح مسرور تلفحه شمس الصحراء , ويتقيها بيده أو يحجبها بقماش فوق رأسه أو يداريها بظل بيت طيني قديم أو شجرة باسقة شامخة , حياة وادعة , أناس طيبون على فطرتهم وسجيتهم , لا يوجد أخلاط من أجناس الناس وشعوب الأرض , عرف النقاء والصدق منذ نعومة أظفاره.

******************

ابن القرية في العاصمة:

تمر به الأيام والليالي , وتسير به السنون , يخرج ذلك الفتى الجميل القروي بقوامه المعتدل كالسيف الصقيل , يخرج بعد أن قارب الخامسة والعشرين من العمر من قريته ليؤم الرياض عاصمة المملكة السعودية , خرج مع شيخه عبد العزيز أبو حبيب , خروجه كان في عام (1374) , ذهابه إلى لرياض لأجل أن يدرس في مدارس التعليم النظامي في المعهد الذي أنشأه المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم , تقدم للدراسة وتم اختباره وأختاره المفتي آنذاك ليكون مع طلاب السنة الرابعة لنظراً لتقدمه في العلوم , وبناء على تزكية شيخه أبو حبيب الذي أصبح مدرساً في ذلك المعهد.

لقد وصل إلى الرياض من قريته بعد أن صلب عوده وتزوج وأحاط بكثير من العلوم والفنون , ترك الشاب أسرته الصغيرة ووالديه في القرية وسافر هو بجسده وبقي قلبه , سيعيش بضع سنين لوحده في بلد الغربة كما يراه آنذاك قبل أن يستقدمهم , وسيرسل من مصروفه لأهله لكي يقتاتوا عليه , سيرتقي في سلم النجاحات والتفوق إلى أن يصل القمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير