نعم .. إن العلماء ورثة الأنبياء والمصيبة في فقدهم عظيمة؛ لا لذاتهم ولكن لهذا العلم الذي فُقد بفقده .. يقول انس رضي الله عنه: قال أبو بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر انطلق بنا إلى أم ايمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها فلما انتهيا إليها بكت فقالا لها ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم!!
فقالت: ما أبكى أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء!! فهيجتهما على البكاء .. فجعلا يبكيان معها))
فهذه المرأة رغم بساطتها إلا إنها تحس قيمة الوحي الإلهي فكيف لا نشعر نحن بقيمة العلماء الذين هم نجوم السماء .. وزينة الأرض وموتهم يعد ثلمة كما قال الحسن البصري رحمه الله: (كانوا يقولون موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار)
إننا حينما نبكي على شيخنا؛ فإننا نبكي العلم الذي فقدناه، نبكي دماثة الخلق، نبكي السماحة والكرم، نبكي التواضع الجم، نبكي الزهد والورع، نبكي السد الشامخ في وجه أهل الشبهات والشهوات.
لا أنسى دروس الشيخ في الجامع الكبير قبل أن يهدم .. لا أنسى حينما أردت أن أُقبل رأسه فوضع يمناه على رقبتي ليمنعني من ذلك .. بل ويمنع الكثير من طلاب العلم، لا أنسى موقفه مع العلامة عبدالرحمن البراك وكل واحد منهما يريد أن يقبل رأس الآخر؛ بكل تواضع وخفض جناح.
لا أنسى الشفاعات التي ترد إلى الكثير من العلماء وطلبة العلم بتوقيع الشيخ يشفع في قضاء حوائجهم، وكيف أنسى تلك الدورة العلمية المقامة في جامعنا -جامع العز بن عبدالسلام – وكان من ضمن المشاركين فيها شيخنا ابن جبرين ـ رحمه الله ـ فكان يحضر قبل الطلاب ونجلس أحيانا حتى يأتي أعداد من طلاب العلم ثم أبدأ بالقراءة عليه من كتاب الإيمان من صحيح البخاري!!.
لم يعتذر بقلة الحضور وهو الذي يسكن في جنوب الرياض ونحن في شرقه لمدة أسبوع كامل!!
لن أنسى بيته العامر حينما زرته بعد صلاة العصر ووجدت البيت يدخل فيه الناس زرافات ووحدانا .. كل له حاجته .. وكل له طلبته .. والشيخ يستقبل الجميع برحابة صدر .. وسعة بال!!
لن أنسى تنقلات الشيخ من مسجد إلى مسجد لإلقاء الدروس العلمية وطلابه يتنقلون حيث انتقل الشيخ .. يفعل هذا بلا كلل أو ملل من أول النهار إلى آخره!!
لن أنسى طأطأة رأسه فأقول في نفسي قد نام الشيخ فلا أشعر إلا والشيخ يصحح للقارئ قراءته، فإذا انتهى من القراءة كرّ الشيخ على المتن يشرح ويدلل من حافظة قوية وذهن ثاقب .. تتعجب منه مع كثرة الدروس وتنوع العلوم ومع ذلك تخرج منه الدرر البهية والنفائس العلمية .. فأقول في نفسي متى يحضر الشيخ لكل هذه الدروس وهي تبدأ من الصباح إلى المساء!!
لن أنسى الشيخ وهو يتحدث وتتحدر منه النصوص الشرعية والأبيات الأدبية بدون تكلف وعناء كأنه ينظر إليها بعينه فيختار منها ما يشاء ويترك منها ما يريد! لا أستطيع أن أذكر كل شيء، ويكلّ القلم في ذلك ..
لكن نشهد الله تعالى أن الشيخ قد استفرغ وقته للدعوة إلى الله تعالى وتدريس العلوم في أنحاء هذه البلاد المباركة شرقا وغربا .. ولا نزكي على الله أحدا.
فاللهم آجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها .. واغفر اللهم لشيخنا وأسكنه فسيح جناتك يا رب العالمين.
http://www.lojainiat.com/index.php?action=showMaqal&id=8957
ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[17 - 07 - 09, 01:58 م]ـ
في رثاء العلامة ابن جبرين
حسان الجاجه
تُسائلُني وفي وجهي انطواءُ
أُكفكِف عَبرَتي ولها سَخاءُ
أَخَطبٌ نازلٌ في دارِ قَومي
فَأبكيهمْ إذا يُجدي البُكاءُ
أما تدري مصاباً حلّ فينا
وكم عَلَمٍ تَخَطّفَهُ الفناءُ
هُمُ وَرثوا النّبوةَ عِلمَ دِينٍ
يُنيرونَ المَسالِك حيثُ فَاءوا
إذا ذَهبوا فكَم في الأرضِ دَمعٌ
لها نَقصٌ، وتَبكيهمْ سماءُ
هُمُ الصّحبُ المبارَك لا يُمَلّوا
لأَسقامِ النفوسِ بهم دواءُ
هُمُ الأحياء بينَ الناس دوماً
بعلمٍ بلّغوهُ فهُمْ عَطاءُ
رُزِئنا يومَ أمسٍ في إمامٍ
لهُ نُبلُ السَّجيَّة والثناءُ
هو الجِبرينُ مِن نسلٍ كرامٍ
إمامٌ في العلومِ لهُ مضاءُ
هوَ الحَبرُ التقي كمَا علِمنا
وهلْ للبدرِ في الظّلْما خَفاءُ
أحبَّتهُ القلوبُ على وِدادٍ
وحقُّ العالِمِ الفَذِّ الوفاءُ
مضى شيخٌ وكلُّ الناسِ تمضي
هيَ الدنيا، وللأجَلِ انقضاءُ
تُبَكّيهِ العيونُ بدمعِ قلبٍ
فما تدري أماءٌ أم دِماءُ
تُبَكّيهِ المَحارِب كلَّ حينٍ
وكُرسيٌّ يحنُّ ولا عزاءُ
ولِمْ لا والمَلائكُ سابحاتٌ
وحُوتُ البحرِ يحدُوها الدّعاءُ
ولِمْ لا والمجَالسُ خاوياتٌ
مِنَ الفُتيا وقَد عَزّ اللّقاءُ
فيا رباه عبدُك صارَ رَهْناً
فأكرِم نُزْلَهُ أنتَ الرّجاءُ
وأوسِع رحمةً وأنِر تُراباً
وثبِّتْ حُجَّةً فيها النَّجاءُ
وأَجزِل بالمثوبَةِ أَنتَ بَرُّ
وأَوْجِبْ جَنّةً فيها البَقَاءُ
http://www.lojainiat.com/index.php?action=showMaqal&id=8958
¥