وصرح لي بعد ذلك أن قائد الجيش الثاني كان يأمره أن ينزع قميصي ويمزقه فلا أجد إلا ملابس السجن فأضطر إلى لبسها وكنت على يقين أنهم يمكرون لي لكنني كنت على يقين أيضاً بأن الله U يمكر بهم، وكانوا إذا هددوني بأن يحلقوا لي بالقوة أقول لهم أقسم بالله من أراد أن يحلق بالقوة فسوف أقاتله إن قتلني دخلت الجنة وإن قتلته دخل النار فكانوا يفهمون من قولي أقاتله أنني أقتله، فقالوا: الشيخ قال إللي يقرب مني أقتله. فتركتهم على هذا الفهم من باب كتمان العلم للمصلحة؛ المهم قذف الله U في قلوبهم الرعب فلم يمسوني بسوء؛ وفرغوا لي التأديب داخل السجن الحربي؛ وكان عبارة عن خمسة غرف كل غرفة متر إلا ربع تقريباً في طول مترين، وأمام الخمس غرف فسحة وهي مغلقة بشباكه حديد فوضعت فراش في غرفة والطعام في غرفة وقلت لهم هذه الفيلا لو أخذتم إيجار تأخذون مبلغاً وقدره.
والعجيب أنهم كانوا كل صباح يفتحون باب الفيلا ويأتي العساكر من أجل تنظيف الفيلا ورش الماء وتنفيض البطاطين ولم يطلبوا مني أن لا أكلم المساجين ولكنهم طلبوا من المساجين ألا يكلموني فكانوا يأتون أمام الفيلا وأذكرهم بالله U وأقول لهم اسمعوا شيئاً فإذا رأيتم أحداً فانصرفوا.
ثم حضر القائد الأول للسجن الحربي وكان برتبة رائد فأخبر بحضوري فأتى وهم يأمنون السجن قبل المغرب وقال لي: لماذا لم تلبس ملابس السجن؟ فقلت: أنا محكوم علي بسبعة أشهر على اللحية والملابس فلا تكلمني في هذين الأمرين إن شئت أن تتكلم في أمور أخرى نتكلم فكأنه هدد بأن يحلق لي بالقوة فأقسمت بالله بأنني سوف أقاتل من يريد أن يحلق لي بالقوة فقال لي صول الأمن وكان واقفاً اعمل معروف ما تمتش هنا.
ثم طلب قائد السجن أن أعرض عليه بمكتبه بعد تأمين السجن فقلت له ليس من حقك إخراجي بعد التأمين. فقال: أنت تعرف القانون.
المهم أخرجوني بعد الغروب وبعد تأمين السجن وأدخلت عليه في مكتبه: السلام عليكم، قال: سلام على من اتبع الهدى، ثم أخرج لي تفسير ابن كثير من مكتبه وقال: تعرف هذا، قلت: نعم تفسير ابن كثير.
وأخرج معارج القبول كما أذكر: وقال لي هل قرأت حديث حذيفة في فتح الباري. قلت نعم.
قال: تعرف عبد الحميد الشاذلي وهو صاحب حد الإسلام وهو شيخ بدعة التوقف والتبين بالإسكندرية.
وبعد هذه المقابلة العجيبة طلب مني أن ألبس ملابس السجن أو يعرفني على العميد الرحاني بقيادة الجيش الثاني. وقال لي سوف أعطيك مهلة للصباح. فقلت: أنا أوفر عليك المهلة وأعرض من الآن. فقال: لا سوف أعطيك مهلة وأرسلني إلى فيلتي وخلوتي وقمت الليلة وتفكرت في الحوار الذي دار بيننا قبل التهديد واستخرت الله U بأنني سوف أبلغ عنه أنه من جماعة التكفير وأنه يستحل دماءهم ونمت على ذلك.
وبعد صلاة الفجر ومع شروق الشمس فوجئت باثنين يحملان بدلة السجن الزرقاء ويفتحان علي الفيلا ويقولان نحن نقسم بالله أننا نوافق أن نلبس-هذه الملابس ولا تلبسها أنت. وذلك لحبهم لدينهم. ولكن الرائد أمرنا أن نحضر هذه الملابس لك لتلبسها فقلت لهم بكل قوة أعيدوا له هذه الملابس وقولوا له الشيخ أحمد متظلم منك ويطلب العرض على قائد المحطة العسكرية أو عقيد المخابرات.
قلت لهم أنا سوف أبلغ عنه بطريقتي الخاصة أنه تكفير يستحل دماءهم ولن يعود إلى بيته بل يذهب إلى المدعي العسكري فقال لي: كيف طريقتك الخاصة فقلت لهم: وهل أخبركم بطريقتي الخاصة؟!.
فذهبا إلى الرائد وأخبراه بما قلت فأتى الرائد بنفسه وقال يا شيخ أحمد مادمت ترفض لبس السجن خلاص.
فقلت له أنت أهنتني وأنا متظلم منك وأطلب العرض على قائد المحطة العسكرية أو عقيد المخابرات وهو يخشى من هذا الطلب حتى لا أبلغ عنه أنه تكفير.
فقال: يا شيخ أحمد أنت لا ترضى بالضرر. فقال لي: طالما أنت عندنا فسوف نعاملك أحسن معاملة ونلبي كل طلباتك. فقلت له وتعد أنك تسعى في خروجي من هذا المكان في أول فرصة قال: إن شاء الله .. وتم الاتفاق على ذلك وصار الرائد يومياً يمر علي في الفيلا ويقول: يا شيخ أحمد تريد شيئاً أقول له: جزاك الله خيراً. ومر يوم ولم يمر علي الرائد فقلت للشاويش أين الرائد لماذا لم يمر علي هذا اليوم يبدوا أنه أبلغه فمر في اليوم الثاني واعتذر إلي أنه لم يمر بالأمس لأنه كان مريضاً –كان عنده إسهال- نسأل الله العافية والسلامة من الذل والمهانة.
¥