تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مجموعة مقالات لأبي بكر البغدادي]

ـ[أبو بكر البغدادي]ــــــــ[24 - 01 - 06, 08:51 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

التفاعل مع الحياة

بقلم: أبو بكر البغدادي

(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).

ليس في الكون حياة أصفى من حياة يبعثها الإسلام في الإنسان.

ذلك لأن الإسلام هو الحياة: لأنه دين الفطرة، وهو الحياة: لأنه دين نفع الآخرين، وهو الحياة: لأنه دين نصرة المظلومين، وهو الحياة: لأنه دين ردع المفسدين، وهو الحياة: فهو دين المنتجين.

قال تعالى (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها)، وقال تعالى (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون).

فأحكام الإسلام كلها تتفاعل مع الحياة، مع عسرها ومع يسرها، وصعبها وسهلها، (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (يريد الله أن يخفف عنكم) (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه).

ولأنه دين الحياة، فهو دين يرى الواقع ويتعامل معه وفق ما هو عليه، فليس فيه أحكام عمياء لا تفرق بين العالم والجاهل (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).

والعاجز والقادر (فاتقوا الله ما استطعتم) (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (ليس على الأعمى حرج ولا على المريض حرج).

أو بين البر والفاجر (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار).

والإسلام دين الإرادة والحركة، وليس هو دين الحظ والبخت. فلا بد من إرادة العبد للخير لكي يناله. حتى الدين والإيمان لا يناله العبد ما لم يكن مريدا له ابتداء.

وفي الحديث القدسي (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم).

فمن الواضح أن هداية الله لا يهبها إلا لطالبها (فاستهدوني). وكذلك الرزق لا يأتي إلا بعد سعي العبد له وطلبه. وهذا هو مفهوم ومعنى التوكل الشرعي: السعي والأخذ بالأسباب والتوفيق من عند الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم (لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وترجع بطانا) فهي لا تنتظر الرزق في أعشاشها، بل تتحرك في طلبه.

وعلى هذا الأصل العظيم يقول صلى الله عليه وسلم (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها الحارث والهمام). فهذا الحديث يربط بين العبودية لله والعمل، وأن أعبد الناس أكثرهم همة وعملا. والشاهد هنا (الحارث) وهو العامل و (الهمام) وهو المتحفز للعمل.

والهمة في العمل والعزم على الفعل من أعظم أسباب الأجر عند الله تعالى ولذا يقول تعالى (فإذا عزمت فتوكل على الله)، بل إن الله تعالى جعل أجر العاقد العزم مثل أجر العامل إذا حال دون ذلك مانع لا حيلة له به (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم)، وفي هذا المعنى أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا ولا سلكتم طريقا إلا شركوكم في الأجر، حبسهم العذر).

وفي هذا المعنى حديث يوم خيبر حين أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية عليا رضي الله عنه ثم قال له (امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ: علام أقاتل الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله لا الله وأن محمد رسول الله، فإن فعلوا ذلك فقد منعوا منك دمائهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله). فانظر إلى قدر الهمة والعزم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند علي رضي الله عنه.

وعلى هذا الأصل العظيم أيضا لا يعقد المسلمون نصرهم في الدنيا على مجرد منزلتهم العالية عند رب الكون، بل لا بد لهم من الاستعداد المادي وفق سنة رب الكون التي سنها لخلقه (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)، ويقول تعالى (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون). نعم هذه هي سنة الله. إن الله يعين المؤمن الآخذ بأسباب النصر على النصر (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين)، ولكن لا يحصل نصر الله لعباده لمجرد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير