تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الإيمان، إلا أن يشاء الله بمشيئته التي لا راد لها، كما لا يحصل الولد للمؤمن العابد الزاهد لمجرد الدعاء، بل لا بد من نكاح المرأة وانقضاء الفترة وعدم المانع. وأيضا نقول هنا: إلا أن يشاء الله، مثل ما كان لعيسى ابن مريم عليه السلام.

فالإسلام لا ينظر إلى الإيمان من مجرد التصور والتصديق القلبي، بل الإيمان قول وتصديق وعمل. أي أن الإيمان يقوم على تفاعل القلب والتصورات مع السلوك والعمل، فليس هناك إيمان بلا عمل مرتبط به. ولذا تكلم العلماء (ومنهم شيخ الإسلام) في الفعل الوجودي والعدمي، والترك الوجودي والعدمي وبينوا أن الثواب والأجر إنما يرتبط بالفعل الوجودي لا العدمي، وكذلك الترك. والمقصود بالوجودي والعدمي هو المرتبط بالقصد التعبدي. والعدمي هو الذي يعمل عرضا بلا قصد ونية، مثل الذي يترك الزنا لأنه لم يعرض عليه، أو أنه يجتنبه لأجل المرض مثلا، فهذا لا يؤجر على هذا الترك، بخلاف الذي يتركه لله، مثل يوسف عليه السلام، ومن يظله الله بظله يوم القيامة (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله). وكذلك الفعل لا يترتب الأجر عليه إلا بنية (إنما الأعمال بالنيات).

إن الحياة الدنيا في الإسلام هي الطريق للآخرة، ولذا جعلها الله تعالى سبيلا للهداية والتفكر في عظمة خلقها وما جعل فيها من النعم للإنسان. فقال في التفكر (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى حنوبهم ويفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)، (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون. ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون). وقال في النعم (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها).

إن معظم النعم التي من الله بها على عباده وجعلها دليلا وحجة على عبادته هي نعم مادية دنيوية، مثل خلق الأنعام والشجر والمياه وما في الأرض والجبال من الحديد والنفط والمعادن وغيرها. إن ذكر الله تعالى لها ومنّه بها على عباده دليل على أنها من الخير الذي ينبغي للمسلم أن يحترمه ويعطيه المنزلة التي أعطاها الله تعالى بحيث أنه تعالى منّ بها على عباده، وهو تعالى لا يمن إلا بما هو خير، وبالتالي فلا ينبغي للمؤمن أن يغفلها أو يهملها بل عليه أن يعمرها ويستعمرها ويبذلها للناس (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، فقد جعلنا الله نعمر هذه الحياة الدنيا لتكون طريقنا للآخرة، وهذا هو التفاعل الشرعي مع الحياة.

ولو سألنا أنفسنا هل تفاعلنا نحن المسلمين مع هذه النعم، وهل استعمرنا هذه الأرض التي عهد الله تعالى بها لنا. لا شك أن الجواب واضح، وأن الذي استعمرها واستعمرنا هو غيرنا ممن لم يوجه خطاب الله تعالى له ليستعمر الأرض، فإن المؤمن أولى من غيره في نعم الله تعالى.

وهنا نقول أنه لا بد للمسلمين من الشروع باستعمار الأرض وما فيها، فإن صحوة الإيمان يعقبها صحوة العقل والجسد. وإذا كانت الحركة والإرادة من العبد فإن الإجابة والتوفيق من الله عز وجل. وإذا كان الله وفق سنته الكونية يعطي المؤمن والكافر ويوفق المؤمن والكافر ضمن هذه السنة (كل نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا)، فإن توفيقه تعالى للمؤمن أعظم وأكبر، كما أخبر الله تعالى عن مثل ذلك في الحرب، فإنها وإن كانت تجري وفق سنن الله الكونية من حيث العدة والعدد، فإن الله تعالى يقف مع المؤمنين حين يأخذوا أسباب النصرة، وإن كانوا أضعف بقدر نسبي من أعدائهم الكفار.

ومن التفاعل مع الحياة الذي شرعه الإسلام: القوة والوقت، حيث قال صلى الله عليه وسلم (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ). فالخاسر هو من فرط بهما. والتفريط المقصود هو عدم النفع والانتفاع بما عند الإنسان من القوة بحسبها، وكذلك الوقت، بحيث لا يسخر المسلم هاتين النعمتين في الحصول على ما ينفع في الدنيا والآخرة. وقد يظن البعض أن تفسير الحديث إنما يتعلق بالعبادة المحضة كالصلاة والصوم ونحوهما. وهذا لا شك قصور في الفهم، فالإسلام يحترم النعمة بل ويوجب احترمها فهي سبب للقوة وهي سبب لتمام العبادة وهي سبب للنصر. فهل لنا أن نتصور أن الإسلام يأمر بالصدقة والإكرام والزكاة وليس هناك من غني لا يأخذ بأسباب الغنى، أو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير