تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من أعماق الكتب]

ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 09:47 م]ـ

تأليف:

سعد ندا

دراسة وتحقيق:

الناشر:

الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

رجب - ذو الحجة 1400هـ

ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 09:47 م]ـ

- لماذا اعتنقت الإسلام؟

- وما الذي جذبني إليه خاصة؟

- هنا يجب أن أعترف أنني لا أعرف جوابا شافيا؟

- لم يكن الذي جذبني تعليما خاصا من التعاليم، بل ذلك البناء المجموع العجيب والمتراص بما لا نستطيع له تفسيرا من تلك التعاليم الأخلاقية، بالإضافة إلى منهاج الحياة العملية.

- ولا أستطيع اليوم أن أقول أي النواحي قد استهوتني أكثر من غيرها؛ فإن الإسلام - على ما يبدو لي - بناء تام الصنعة، وكل أجزائه قد صيغت ليتمم بعضها بعضا، ويشد بعضها بعضا، فليس هناك شيء لا حاجة إليه، وليس هناك نقص في شيء، فنتج عن ذلك كله ائتلاف متزن مرصوص.

- ولعل هذا الشعور من أن ما في الإسلام من تعاليم وفرائض (قد وضعت مواضعها)، هو الذي كان له أقوى الأثر في نفسي، وربما كانت مع هذا كله أيضا مؤثرات أخرى يصعب علي الآن أن أحللها، وبالإيجاز فقد كان ذلك قضية من قضايا الحب، والحب يتألف من أشياء كثيرة، من رغباتنا وتوحدنا، ومن أهدافنا السامية وعثراتنا، ومن قوتنا وضعفنا، وكذلك كان شأني، لقد هبط علي الإسلام كاللص الذي يهبط المنزل في جوف الليل، ولكنه لا يشبه اللص لأنه هبط ليبقى إلى الأبد.

ومن ذلك الحين سعيت إلى أن أتعلم من الإسلام كل ما أقدر: لقد درست القرآن الكريم، وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام، لقد درست لغة الإسلام، وتاريخ الإسلام، وكثيرا مما كتب عنه، أو كتب في الرد عليه، وقد قضيت أكثر من خمس سنوات في الحجاز ونجد، وأكثر ذلك في المدينة؛ ليطمئن قلبي بشيء من البيئة الأصلية الذي قام النبي العربي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إليه فيها، وبما أن الحجاز ملتقى المسلمين من جميع الأقطار، فقد تمكنت من المقارنة بين أكثر وجهات النظر الدينية والاجتماعية التي تسود العالم الإسلامي في أيامنا، هذه الدراسات والمقارنات خلقت فيَّ العقيدة الراسخة بأن الإسلام من وجهتيه الروحية والاجتماعية، لا يزال بالرغم من جميع العقبات التي خلفها تأخر المسلمين، أعظم قوة نَهّاضة بالهمم عرفها البشر.

وهكذا تجمعت رغباتي كلها منذ ذلك الحين حول مسألة بعثه من جديد.

من كتاب (الإسلام على مفترق الطرق)

للمستشرق النمساوي المسلم (محمد أسد)

تعليق التحرير:

تلك كلمات رائعة صاغها الأستاذ محمد أسد، ذلك الرجل الذي شرح الله صدره للإسلام، فأصبح - بفضل الله ورحمته - على نور من ربه، وعبر بها عن شعوره عن هذا الدين العظيم، وحاول أن يضمنها سبب اعتناقه للإسلام، وأخذ يتلمس ما استهواه منه حتى دخل حماه، ولكنه لم يبلغ ما يريد من ذلك إلا أن يصور الإسلام بناء مجموعا، عجيبا متراصا، تام الصنعة، لا نقص فيه، بل إن أجزاءه يتم بعضها بعضا، وقد وضع كل منها في موضعه فتكون ائتلاف متزن مرصوص.

وقد ذكر الأستاذ محمد أسد أن هذا الدين هبط عليه كاللص الذي يهبط المنزل في جوف الليل ثم استدرك فقال: "ولكن لا يشبه اللص لأنه هبط علي ليبقى إلى الأبد".

والذي أفهمه من تعبيره أنه يريد أن يقول قد تسلل إلى قلبه فجأة - دون سابق إنذار - فاحتله، وسكن في جنباته، فاطمأن اطمئنانا يبقى معه مدى حياته.

ولقد دفعه اطمئنانه بالإسلام إلى أن يعيش في مهده الأول، ليلمس تطبيقا عمليا، ويقارن بين المجتمع المسلم والمجتمع الأوربي الذي أعرض عن الإسلام ونأى عنه بجانبه، ولينتهي إلى النتيجة التي لا يقوى أحد على إنكارها، وهي أن الإسلام من وجهتيه الروحية والاجتماعية - بالرغم من جميع العقبات التي خلفها تأخر المسلمين - أعظم قوة نَهّاضة بالهمم عرفها البشر.

تلك - في إيجاز - مشاعر وأحاسيس ذلك المستشرق المسلم الذي استضاء بنور الهدى، فأنار له قلبه، وفكره، وحياته، وصدق فيه وفي أمثاله قول الله سبحانه وتعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}. (الزمر آية 22).

أما أولئك الذين تحجرت قلوبهم، فعموا عن هدى الله وصمّوا، فضلوا وأضلوا، فأظلمت قلوبهم، وأفكارهم، وحياتهم؛ فقد صدق فيهم وفي أمثالهم قول الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (الزمر آية 22).

ولماذا لا يلحقهم الويل، ويحيق بهم العذاب؟ إنهم كذبوا الله ونبذوا هديه؛ {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (الزمر آية 26).

فلينتبه أولئك المعرضون عن الله بصفة عامة، والمستشرقون الذين اتخذوا بحثهم في الإسلام تجارة به وحربا له، دون أن يُسلموا، بصفة خاصة، وليحذو حذو مستشرقنا المسلم الأستاذ محمد أسد في صدق الإسلام وإخلاص الدين الحق لله رب العالمين.

ثم ليعد المسلمون إلى الأخذ بدينهم العظيم، وتحكيم نهج الله في كل أمورهم، حتى يعود لهم مجدهم، وعزهم، وأمنهم، وسكينتهم، ولن يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

سعد ندا

عضو تحرير مجلة الجامعة الإسلامية

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير