تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[إلى الذين يحادون مفاتح الغيب بإسم العلم الحديث]

ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 09:52 م]ـ

تأليف:

عبد الففتاح عشماوي

دراسة وتحقيق:

الناشر:

الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة

السنة الحادية عشر - العدد الثالث ربيع الأول 1399هـ

ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 09:55 م]ـ

لفضية الشيخ عبد الفتاح عشماوي المدرس بالمعهد الثانوي بالجامعة الإسلامية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. .

لا نجد مفتاحا لمحاضرتنا هذه؛ نفتح به ما قد يكون أغلق علينا، وعلى قلوب ليست معنا، عليها أقفالها خيرا من آية المفاتيح،. . . نعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، وهذه الآية العظيمة، وإن كان بعضها فقط سيكون موضوع المحاضرة، إلا أننا ذكرناها كاملة لنتعرض لمعنى سريع لكلماتها، قبل أن نأخذ صدرها الذي سيكون ينبعنا الدفاق لمحاضرتنا، إن شاء الله تعالى. . .

فعن الآية جملة نبدأ فيها بإيضاح كلمة (الغيب)؛ فهي بمعناها العام تعطينا معنى ذا قسمين: غيب يختص بالدنيا، وغيب يختص بالآخرة؛ فغيب الدنيا يمكن أن يظهر منه ما تحيط بصورته حواس الإنسان، وغيب الآخرة لا يظهر ولا يحاط منه شيء إلا بعد الموت، والآية التي قرأناها الآن من النوع الأول، من غيب الدنيا الذي يجوز أن يظهر ويدرك، ولمجرد أن نقرأها نجد كل صورها المسماة فيها جُسِّم من نوعه لنا، وأحاطت به أحاسيسنا {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ}.

فالمفتاح: اسم الآلة يغلق به على شيء يحتاج إليه، والحاجة تقتضي أن يفتح به بين حين وآخر، وإن كانت المفاتيح في الآية معنوية، إلا أنها أعطت معنى الفتح على غيب ليس أبديّ الإغلاق، وإنما يفتح سبحانه علينا منه وبالقدر الذي يجعله قياما لوجودنا في دنياه؛ {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}، {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ}، فخزائنه غيب وما ينزل منه هو الذي يبدو لنا، هذا هو غيب الدنيا الجائز فيه الظهور، وبقية الآية دليل على ذلك، {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} فقد أطلعنا على بعض ما في البر كالزرع - مثلا - حُزْناه، وفي البحر ضمنا سمك اصطدناه، وما تسقط من ورقة وتبدل بأخرى كذلك ولا حبة في ظلمات الأرض بعد أن أخفيت ثم بالنبت شقت، ولا رطب ولا يابس نرى منه فعلا ما نرى، كل ذلك في كتاب محفوظ مبين.

فهو سبحانه بعد أن نشر هذه الأمثلة لفها بعد ذلك في قوله: {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِس}، فمن الرطب واليابس تتكون الدنيا، ومنهما تفتح علينا مقومات بقائنا، من كل أمر عجيب أبصرناه، وما لم نبصره لا بد أكثر وأعجب؛ {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ}.

أما غيب الآخرة فليس منه في دنيانا ما نبصر، وإنما كله فيما لا نبصر، والرد على القول في أن بعض الرسل رأى الجنة والنار وهو في الدنيا، فمع الخلاف في أنهم رأوا ذلك حقيقة أو مناما، أو بوصف الوحي فإن خصوصيات الرسل - على ترجيح الرؤية البصرية - لا تقوم عليها بالضرورة قاعدة لبقية الناس، {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}، وأصحاب الآراء الأخرى لهم وجه مقبول فيما قالوا، عندما ذكروا قول النبي صلى الله عليه سلم عن الجنة بأن "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، أوضحوا أن كلمات (عين) و (أذن) و (قلب) تشمل عين النبي وأذنه وقلبه صلى الله عليه وسلم، خاصة قوله: "ولا خطر على قلب بشر"، فهو ضمن البشر، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}، فلم يستثن نفسه من كلمات الحديث بشيء؛ فيكون ذلك قيل ليبلغه وما أبصره، فهذا إيضاح لا تنكر وجاهته.

وسيقال أيضا: إن الآيات القرآنية صورت لنا الكثير عن غيب الآخرة، كاللحم والفاكهة، والحور العين والمساكن الطيبة، وأنهار اللبن والخمر بلا غول والعسل المصفى، والنخل والرمان، هذا مع الأحاديث التي وصفت قصور الجنة بأنها لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وأن تراب الجنة مسك. . إلى غير ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير