تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

6 - إن الأصل في كل مسلم أن يتقيد بالحكم الشرعي، ويلتزم به برضى واطمئنان، لا أن يأخذه ويعمل به وهو شاكٌّ في صحته، فحتى نُعِين المسلم على التقيُّد والالتزام بالحكم الشرعي برضى واطمئنان فإننا أتينا بهذا النموذج الذي يتضمَّن الأحكام وأدلتها مع البراهين على صحتها، والبراهين على خطأ ما سواها.

7 - كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقَّون النصوص من القرآنِ الكريمِ والسنةِ النبويةِ تلقِّياً طبيعياً، كما نتلقى نحن الآن كلامَ بعضِنا لبعض، بمعنى أنهم كانوا بمجرد أن يسمعوا آيةً أو حديثاً، يفهمون المعنى المراد ببساطة العربي، وبداهة فطنته، فكانوا قَلَّما يختلفون في فهم النصوص، وقَلَّما يختلفون مِن ثمَّ في استنباط الأحكام منها، وقد جرى التابعون وتابعو التابعين على هذا النهج، ثم عندما جاء الفقهاء من بعد هؤلاء، ووُجدت عندئذ المذاهبُ الفقهية، وما صاحبها من تعصُّبٍ وتحزُّبٍ، بدأ الفقه يأخذ منحىً جديداً، ويبتعد تدريجياً عن طريقة التلقِّي الطبيعي، إلى طرائق يصح وصفها بأنها طرائق صناعية، بمعنى أن الصناعة في التلقِّي والاستنباط قد غلبت على اجتهادات هؤلاء الفقهاء لا سيما وأن كل فقيهٍ تابعٍ لمذهب أو إمام يُجْهِد عقَله وذِهنَه للانتصار لمذهبه وإِمامِه، ثم أخذ قسمٌ منهم بصنوف الجدل وعلم الكلام، أو قُلْ إنهم قد تأثروا قليلاً أو كثيراً بأساليب الجدل والكلام، إضافةً إلى ما وضعوه من قواعدَ أصوليةٍ مختلفةٍ، بالغوا في توسيعها وتفريعها وتعقيدها، فصار الفقه صناعة لا يعرفها بدقائقها إلا أربابُها المتخصِّصون، ومع الزمن وقف التَّلقي الطبيعي تماماً، واقتصر استنباط الأحكام على صُنَّاع الفقه، ثم قلَّ هؤلاء الصُّناع تدريجياً إلى أن أُغلق باب الاجتهاد.

وعلى ذلك أقول إنَّ السبب الرئيسي في غلق باب الاجتهاد، وذهاب المجتهدين هو أن الفقه أصبح صناعةً لها قواعدُ وأصولٌ قلًّما يفهمها ويستوعبها المتعلمون، ناهيك عن سواد الناس وذلك لتعقيداتها وتفريعاتها وتشعُّباتها، إذ راح علماء كلِ مذهبٍ يضعون القواعد الأصولية الخاصة بمذهبهم، ويتفننون في التفريعات والتشعُّبات، حتى غدت القواعدُ الأصوليةُ معقدة جداً، فاختلفت كثيراً الاجتهادات، وما صدر عنها من أحكامٍ، حتى إِنَّ الكثير من هذه الأحكام قد خرجت عن دائرةِ الاعتدال.

فحتى يعود الفقه إلى طريقته الطبيعية وينأى عن التعقيدات والتَّشعُّبات، وتقل الخلافات المذهبية وما يصاحبها من تعصُّب، وبالتالي يوجَد المجتهدون الكُثْر، فإنني أتيت بهذا النموذج الذي أراه الأصحَّ لكتابة الفقه، مستلهماً طريقةَ الصحابة في الفقه والتلقِّي، ومبتعداً عن التعقيد والتَّشعُّب في الفهم، ولهذا فإن القارئ الكريم سيجد أن القواعد الأصولية التي تظهر في هذا النموذج تخلو من التعقيد والتشعُّب.

إن الفارق بين طريقة الصحابة وطريقة أرباب صناعة الفقه، هي أن الصحابة كانوا يضعون النص أمامهم، فما يتبادر إلى أذهانهم من معانيه بمقتضى اللغة العربية، إضافةً إلى درايتهم وخبرتهم بمرامي النصوص التي عاشوا أجواءها ودلالاتها، يأخذونه ببساطة ودون تصنُّع. أما أرباب الصناعة الفقهية، فإنهم يضعون القواعد الأصولية المختلفة أمامهم أولا مع جميع تفريعاتها وتعقيداتها وتفصيلاتها، ثم يُخضعون النص لهذه القواعد، فتخرج منه معان كثيرة متشعبة بقدر هذه التفريعات والتشعُّبات، وهنا يقع الخلاف الكبير بينهم، كلٌّ يتمسَّك بالمعنى الذي فهمه، وبالحكم الذي استنبطه بحسب ما وضعه أمامَه من قواعد تفصيلية خاصةٍ به، ويُجْهِد نفسه في الدفاع عنه والمنافحة عنه انتصاراً لمذهب إِمامِه، حتى غدا الفقه أخيراً معرضاً واسعاً متنوعاً للأحكام المختلطة، الصحيحة والضعيفة والشاذة، ما أن يطَّلع عليها القارئ حتى يُصدَع رأسُه بهذا الكم الهائل من الآراء في كل مسألة فقهية. ومن أحبًّ أن يقف على أمثلةٍ مما أقول، فما عليه إلا أن يراجع الآراء الفقهية في المسائل التالية: ليلة القدر متى هي؟ والنوم هل هو ناقض للوضوء؟ والصلاة الوسطى ما هي؟ وتجدون الخلافات الواسعةَ والهائلةَ في هذه المسائل وفي غيرها في كتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني، وشرح صحيح مسلم للنووي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير