[كتاب " الموقظة في علم مصطلح الحديث" للإمام الذهبي رحمه الله]
ـ[محمد_وجيه]ــــــــ[06 - 08 - 03, 04:42 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه.
رب زدني علماً، ووفق يا كريم
أما بعد،
قال الشيخُ الإمامُ العالمُ العلاَّمة، الرُّحْلةُ المحقَّق، بحر الفوائد، ومَعْدِنُ الفرائد، عُمدةُ الحُفَّاظِ والمحدثين، وعُدَّةُ الأئمةِ المحقَّقين، وآخِرُ المجتهدين، شمسُ الدين محمدُ بن أحمد بنُ عُثمان الذهبيُّ الدمشقي رحمه الله ونفعنا بعلومه وجميع المسلمين:
1ـــ الحديثُ الصحيح:
هو ما دَارَ على عَدْلً مُتْقِنٍ واتَّصَل سَنَدُه. فإن كان مُرسَلاً ففي الاحتجاج به اختلاف.
وزاد أهلُ الحديث: سلامتَهُ من الشذوذِ والعِلَّة. وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء، فإنَّ كثيراً من العِلَل يأبَوْنها.
فالمجُمْعُ على صِحَّتِه إذاً: المتصلُ السالمُ من الشذوذِ والعِلَّة، وأنْ يكون رُواتُه ذوي ضَبْطٍ وعدالةٍ وعدمِ تدليس.
فأعلى مراتبِ المجمَع عليه
مالكُ، عن نافع، عن ابن عُمَر.
أو: منصورٌ، إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله. أو: الزهريٌّ، عن سالم أبيه.
أو: أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
ثم بعدَهُ:
مَعْمَر، عن هَمَّام، عن أبي هريرة.
أو: ابنُ أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن أنس.
أو: ابنُ جُرَيج، عن عطاء، عن جابر، وأمثالُه.
ثم بعدَهُ في المرتبةِ:
الليثُ، وزهير، عن أبي الزُّبير، عن جابر.
أو: سِماَكٌ، عن عكرمة، عن ابن عباس.
أو: أبو بكر بن عَيّاش، عن أبي إسحاق، عن البَرَاء.
أو: العلاءُ بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، ونحوُ ذلك من أفراد البخاري أو مسلم.
2ـــ الحَسَن:
وفي تحرير معناه اضطراب، فقال الخَطَّابيُّ رحمه الله: هو ما عُرِفَ مَخْرجُه واشتَهَر رجالُه، وعليه مَدارُ أكثرِ الحديث، وهو الذي يَقبَلُه
أكثرُ العلماء، ويَستعملُه عامَّة الفقهاء. (1)
وهذه عبارةُ ليسَتْ على صِناعة الحدودِ و التعريفات، إذْ الصحيحُ يَنطَبقُ ذلك عليه أيضاً، لكنْ مُرادُه مما لم يَبْلُغ درجةَ الصحيح.
فأقولُ: الحَسَنُ ما ارتَقَى عن درجة الضعيف، ولم يَبلغ درجةَ الصحة.
وإن شِئتَ قلت: الحَسَنُ ما سَلِمَ من ضعفِ الرٌّواة. فهو حينئذ داخل في قسم الصحيح.
وحينئذ، يكونُ الصحيحُ مراتب كما قدَّمناه، والحسَنُ ذا رتُبةٍ دُونَ تلك المراتب، فجاء الحسَنُ مثلاً في آخِرِ مراتب الصحيح.
وأما الترمذيُّ فهو أوَّلُ من خَصَّ هذا النوع باسم الحَسَن، وذَكَر أنه يريدُ به: أن يَسلم راويه من أن يكون متهماً، وأن يَسلم من الشذوذ، وأن يُروَى نحوهُ من غير وجه.
وهذا مشكلُ أيضاً على ما يقولُ فيه: حسَنُ غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقيل: الحسَنٌ ما ضَعْفُه محتَمَل، ويَسوغُ العملُ به.
وهذا أيضاً ليس مضبوطاً بضابطٍ يَتميَّزُ به الضَّعْفُ المحتمَل.
وقال ابن الصلاح رحمه الله: ((إنَّ الحسَنَ قَسمان:
أحدُهما: مالا يخلو سَنَدُه من مستورٍ لم تَتحقَّق أهليتهُ، لكنه غير
مُغَفَّل ولا خطَّاءٍ ولا متهم، ويكون المتنُ مع ذلك عُرِف مثلُه أو نحوُه من
وجهٍ آخر اعتَضد به.
وثانيهما: أن يكون راويه مشهوراً بالصدق والأمانة، لكنه لم
يبلغ درجةَ رجالِ الصحيح لقصوره عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حالِ من يُعَدُّ تفرُّدُه منكَراً، مع عَدَمِ الشذوذِ والعِلِّة)) (1).
فهذا عليه مؤاخذات.
وقد قلت لك: إنَّ الحسَنَ ما قَصُرَ سَنَدُه قليلاً عن رتُبة الصحيح. وسيَظهر لك بأمثلة.
ثم لا تَطمَعْ بأنَّ للحسَنَ قاعدةً تندرجُ كلُ الأحاديثِ الحِسانِ فيها، فأَنَا على إِياسٍ من ذلك، فكم من حديث تردَّدَ فيه الحُفَّاظُ، هل هو حسَنُ أو ضعيفُ أو صحيح؟ بل الحافظُ الواحدُ يتغيَّرُ اجتهادُه في الحديث الواحد، فيوماً يَصِفُه بالصحة، ويوماً يَصِفُه بالحُسْن، ولربما استَضعَفَه.
وهذا حقٌّ، فإنَّ الحديثَ الحَسَنَ يَستضعفه الحافظُ عن أن يُرَقِّيَه إلى
مرتبةُ الصحيح، فبهذا الاعتبارِ فيه ضَعْفٌ مَّا، إذْ الحَسَنُ لا ينفك عن ضَعْفٍ مَّا، ولو انفَكَّ عن ذلك لصَحَّ باتفاق.
¥