وقولُ الترمذي: (هذا حديث حسَنُ صحيح)، عليهِ إشكال، بأن الحَسَن قاصِرُ عن الصحيح ففي الجمع بين السَّمْتَيْنِ لحديثٍ واحدٍ مُجاذَبَة.
وأُجيبَ عن هذا بشيء لا ينَهض أبداً، وهو أنَّ ذلك راجعٌ إلى
الإسناد، فيكون قد رُوي بإسنادٍ حسن، وبإسنادٍ صحيح. وحينئذ لو قيل: حسن صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، لبَطَلَ هذا الجواب.
وحقيقةُ ذلك ـ أن لو كان كذلك ـ أن يقال: حديث حَسنُ وَصحيح. فكيف العَملُ في حديثٍ يقول فيه: حسَنٌ صحيحُ. لا نعرفه إلا من هذا الوجه. فهذا يُبطِلُ قولَ من قال: أن يكون ذلك بإسنادين.
ويَسُوغُ أن يكون مُرادُه بالحَسَن المعنى اللغويَّ لا الاصطلاحيَّ، وهو إقبالُ النفوسِ وإصغاءُ الأسماعِ إلى حُسنِ مَتْنِه، وجِزَالةِ لفظِه، وما فيه من الثوابِ والخير، فكثيرُ من المتون النبوية بهذه المثابة.
قال شيخنا ابنُ وهب: فعلى هذا يَلزمُ إطلاقُ الحَسَنِ على بعضَ
(الموضوعات) ولا قائل بهذا ().
ثم قال: فأقولُ: لا يشُتَرَطُ في الحَسَن قيدُ القُصور عن الصحيح، وإنما جاء القصورُ إذا اقتُصر على (حديثُ حَسَنُ)، فالقصورُ يأتيه من قيدِ الاقتصار، لا من حيث حقيقتهُ وذاتهُ ().
ثم قال: فللرُواةِ صفاتُ تقتضي قبولَ الرواية، ولتلك الصفاتِ دَرَجَاتٌ بعضُها فوقَ بعض، كالتيقَّظِ والحفظِ والإتقان.
فوجودُ الدَّرَجةِ. الدنيا كالصدقِ مثلاً وعَدَمِ التُّهمة، لا ينافيه وجودُ ما هو أعلى منهُ من الإتقانِ والحفظ. فإذا وُجدتْ الدرجةُ العُلْيا، لم يُنافِ ذلك وجودُ الدنيا كالحفظ مع الصدق، فَصحَّ أن يقال:
(حسَنٌ) باعتبار الدنيا، (صحيحٌ) باعتبار العُلْيا.
ويَلزَمُ على ذلك أن يكون كلُّ صحيحٍ حسناً، فيُلتَزَمُ ذلك،
وعليه عبارات المتقدمين، فإنهم يقولون فيما صَحَّ: هذا حديثٌ حسن.
قلتُ: فأعلى مراتب الحَسَن:
بَهْزُ بن حَكيم، عن أبيه، عن جَدَّه.
و: عَمْرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جَدَّه.
و: محمد بن عَمْرو، عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة.
و: ابنُ إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التَّيْمِي، وأمثالُ ذلك.
وهو قِسمُ مُتجاذَبٌ بين الصحةِ والحُسن، فإنَّ عِدَّةً من الحُفَّاظ يصححون هذه الطرق، وينعتونها بأنها من أدنى مراتب الصحيح.
ثم بعدِ ذلك أمثلةُ كثيرة يُتَنازَعُ فيها، بعضُهم يُحسَّنونها، وآخَرُون يُضعِّفونها، كحديث الحارثِ بن عبدالله، وعاصم بن ضَمْرة، وحَجَّاج بن أَرْطَاة، وخُصَيْف، ودَرَّاجٍ أبي السَّمْح، وخلقٍ سِواهم.
3ـــ الضعيف:
ما نَقَص عن درجة الحَسَن قليلاً.
ومن ثَمَّ تُردَّدَ، في حديثِ أُنَاسٍ، هل بَلَغ حديثُهم إلى درجةِ الحَسَنِ أم لا؟.
وبلا ريبٍ فخَلْقُ كثيرُ من المتوسطين في الرَّوايةِ بهذه المثابة.
فآخِرُ مراتب الحَسَنِ هي أول مراتب الضَّعيف.
أعني: الضعيفِ الذي في ((السُّنَن)) وفي كتب الفقهاء ورُواتُه ليسوا بالمتروكين، كابن لَهِيعَة، وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وأبي بكر بن
أبي مريم الحمصي، وفَرَج بن فَضَالة، ورِشْدين، وخلقٍ كثير.
4ـــ المطروح:
ما ا نحطَّ عن رُتبة الضعيف.
ويُروَى في بعض المسانيد الطِّوال وفي الأجزاء، وفي ((سنن ابن ماجَهْ)) و ((جامع أبي عيسى)).
مثلُ عَمْرِو بن شَمِر، عن جابر الجُعفي، عن الحَارِث، عن عليّ.
وكصَدَقَة الدَّقِيقي، عن فَرْقَدٍ السَّبَخي، عن مُرَّةَ الطَّيَب، عن أبي بكْر.
وجُوَيْبِر، عن الضحاك، عن ابن عباس.
وحفص بن عُمَر العَدَني، عن الحكَم بن أبان، عن عكرمة.
وأشباهُ ذلك من المتروكين، والهَلْكَى، وبعضهم أفضل من بعض.
5ـــ الموضوع:
ما كان مَتْنُه مخالفاً للقواعد، وراويه كذَّاباً، كالأربعين الوَدْعانيَّة، وكنسخةِ عليّ الرِّضَا المكذوبةِ عليه.
وهو مراتب، منه:
ما اتفقوا على أنه كَذِب. ويُعرَفُ ذلك بإقرار واضعِه، وبتجربةِ الكذبِ منه، ونحوِ ذلك.
ومنه: ما الأكثرون على أنه موضوع، والآخَرُون يقولون: هو حديثٌ ساقطٌ مطروح، ولا نَجسُرُ أن نُسمَّيَه موضوعاً.
ومنه: ما الجمهورُ على وَهْنِه وسُقوطِه، والبعضُ على أنه كذِب.
¥