وتدل هذه المقدمة على ماوصلت إليه حالته الصحية والنفسية والمادية من سوء في أواخر العمر، كما تدل على أن هذا الكتاب كان آخر ما صنفه في حياته الطويلة من الكتب والتأليف.
4 - التعديل والانتصاف:
وهو من الكتب التي ذكرها أبو الفرج نفسه في أربعة مواضع من الأغاني، سنوردها دونما ترتيب لأهمية ذلك فيما ينبني عليه من نتائج.
فقد قال أبو الفرج في أخبار خالد القسري: "وكان قوم من سحمة عرضوا لجار أسد (جد خالد) فأوقع بهم أسد .. فقال القتّال فيه عدة قصائد .. ولم أذكرها ها هنا لطولها، وإن ذلك ليس الغرض المطلوب في هذا الكتاب، وإنما نذكرها هنا لمعا، وسائره مذكور في جمهورة أنساب العرب: الذي جمعت فيه أنسابها وأخبارها، وسميته: التعديل والانتصاف. ولبني سحمة يقول أسد .. وهي قصيدة طويلة، ولأسد أشعار كثيرة ذكرت هذه منها ها هنا، وسائرها يذكر في: كتاب النسب، مع أخبار شعراء القبائل إنشاء الله" (63). فهذه ثلاثة مواضع يرد فيها ذكر هذا الكتاب على لسان أبي الفرج نفسه، إثنان منها بصفته، والثالث باسمه وعنوانه.
أما الموضع الرابع فقد ورد في معرض حديثه عن نسب أبي قطيفة فقال: "وقد شرحت ذلك في: كتاب النسب شرحا يستغنى به عن غيره" (64).
فهذه النصوص تؤكد- دونما لبس أو غموض – أننا أمام كتاب واحد أسماه مؤلفه باسم التعديل والانتصاف، وذكره بصفته فقال عنه أنه يشتمل على: جمهرة أنساب العرب، وأنه: كتاب النسب، دالاً بذلك على جزء هام من مضمونه ومنهج تأليفه وبنائه.
وقد توهم معظم القدماء وجميع من ذكر هذا الكتاب من المعاصرين في حقيقته وأصله، إذ جعلوا منه كتابين أو ثلاثة كتب، تذكر على أنها مختلفة. وتغير اسمه وعنوانه مرات عديدة، فَصُحّف أو حُرّف أو بُدّل أو ذُيّل بذيول غريبة.
فلسنا نجد لهذا الكتاب ذكراً لدى ابن النديم ضمن القائمة التي قدمها بكتب أبي الفرج (65)، وكذلك لم يذكره الثعالبي فيما ذكر من كتبه التي رآها (66).
أما الخطيب البغدادي فقد ذكره بصفته التي ذكرها أبو الفرج في الأغاني فورد عنده باسم: كتاب جمهرة النسب، وقال أنه "من الكتب التي لم تقع إلينا" (67) وعدّه ضمن قائمة الكتب التي قال إن الأصبهاني كان يؤلفها للأمويين في الأندلس، ويبعث بها سراً إليهم. إلا أن في حديث أبي الفرج نفسه عن هذا الكتاب –كما مر معنا- ما يدل على وجود نسخ منه بأيدي الناس في عصره.
وانقسم الكتاب في معجم ياقوت إلى كتابين مختلفين، وإلى بينهما في القائمة التي قدمها بأسماء عدد من كتب الأصبهاني، وهما: "كتاب التعديل والانتصاف في أخبار القبائل وأشعارها"، وقال عنه "ولم أره وبودي لو رأيته، ذكره أبو الفرج في الأغاني"، ثم أورد بعده: "كتاب جمهرة النسب" على أنه كتاب آخر من كتبه، ويبدو أنه نقله من الخطيب البغدادي" (68).
وإذا كنا لا نستطيع أن نؤكد شكنا في عدم إطلاع ياقوت على نص أبي الفرج المذكور في الأغاني، فإننا نشك في صحة فهمه لحقيقة هذا النص ومقاصده، وإلا لتبين له أنهما كتاب واحد فحسب.
وتغير اسم هذا الكتاب عند القفطي فأصبح على هذه الصورة: "التعديل والانتصاف في مآثر العرب ومثالبها"، وذكر أيضاً كتاب "جمهرة النسب" على أنه كتاب آخر غير التعديل (69)، وكذلك فعل ابن خلكان في الوفيات (70).
أما ابن واصل الحموي فقد ذكره باسم: "التعديل والانتصاف في مآثر العرب"، وذكر له أيضاً "كتاب جمهرة النسب" (71).
وأسماه اليافعي بالاسم الذي ورد عليه عند القفطي (72)، بينما اكتفى العيني بذكر "جمهرة النسب" فحسب (73).
أما صاحب الكشف فقد دعاه باسم: "التعديل في مآثر العرب وأمثالها"، وذكر له أيضاً "كتاب جمهرة النسب" (74).
وإذا كان معظم المعاصرين قد قنعوا بذكر هذا الكتاب على إحدى الصور التي ورد عليها في كتب الأقدمين، فاختلفت أسماؤه باختلاف المصادر التي نقلت منها، وتعددت عناوينه فتحول إلى كتابين أو ثلاثة كتب مختلفة (75)، إلا أننا نجد بروكلمان –من بينهم- يصر على تسميته باسم: "التعديل والانتصاف في معايب العرب ومثالبها"، مشيراً إلى أنه ورد كذلك في تاريخ الخطيب البغدادي، وقد مر بنا قبل قليل أن الخطيب لم يذكر هذا الكتاب مطلقاً، كما لم نجد له ذكراً بهذا الاسم عند غيره من المؤلفين الذين وقفنا على مصنفاتهم وتآليفهم (76).
¥