تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك كلمة الشافعي رحمه الله ,لا يمكن أن يقصد بها الإبتداع في الدين, أعني:العقائد والعبادات ,وأن الباب فيه مفتوح لمن أراده, على أن يكون لبدعته شاهد من أصول الشرع. ومن أراد أن يمطط هذا الكلام حتى يجعل معظم ما ابتدع في الدين أصلا وفرعا داخلا تحت أصل من الأصول ,ثم له ذلك ولابد ,ونحن نعرف هذا بالتجربة ,والبلاء قديم, ففي القرن الرابع ألف الأصفهاني الرازي

< حجج القرآن ,لأهل الملل والأديان>في جزء طبع قديما, من وقف عليه لمس بيده ما جره تساهل المسلمين في هذا الباب, وكيف وجد معظم من ينسب للملة من النحل الضالة ما يشهد لبدعته وضلاله من القرآن حسب فهمه ,ولكن:

كل يدعي وصلا بليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا

فلو فهم القرآن والسنة على منهج السلف الصالح, وسنن إستدلالهم وفهمهم ,لما تم للمبتدعة أخذ ولا استدلال ,ولأمر ما ورد في الحديث الصحيح عن افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ,فقيل فمن هي يا رسول الله؟ قال ما أنا عليه وأصحابي ,وفي رواية هي الجماعة،وتأمل زيادة "وأصحابي " لتعرف موقعها العظيم ,وخطرها الجسيم, وهنا نتساءل عن هذه البدع المتكاثرة والمتنامية في العقائد والعبادات ,هل عرفها السلف؟ عل قبلوا منها شيء؟ الجواب واضح ,فإن أول بدعة ظهرت في الإسلام هي إنكار القدر على لسان معبد الجهني وقصته في صحيح مسلم , وكيف استحل ابن عمر رضي الله عنه دمه. ثم ظهر بعده بقليل بدعة الإرجاء والتجهم ,وكيف انتهى المطاف بأصحابها إلى البراءة منهم والحكم عليهم بالردة, وقتل بعضهم علنا كالجهم بن صفوان ,والجعد بن درهم, وغيلان الدمشقي ,وعبد الله بن سبأ اليهودي الذي لولا

فراره لأحرقه علي رضي الله عنه بالنار, فكيف مع هذا يقال عن الشافعي:إنه قال بالبدعة الحسنة؟ وهو الذي صح عنه أنه قال:"من استحسن فقد شرع"

وهذا واضح ,وهو يقر بالإبطال على الكلمة السابقة بالمفهوم الذي أراده الفقيه وفقه الله, وهذا شيخه مالك بن أنس كان رحمه الله كثيرا ماينشد:

وخير الكلام ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع

الموقف الثالث

ثم تناول الفقيه قولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهورة على لسان سلفه في موضوع تقسيم البدعة , وهي" نعمت البدعة هذه" تناولا أعرج. فقال في ص14نقلا عن لبن الآثير: ومن النوع الأول (يعني:البدعة الحسنة) قول عمر رضي الله عنه:" نعمت البدعة هذه"،لما كانت من أفعال الخير، وداخلة في حيز المدح، سماها عمر بدعة ومدحها،لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنها وإنما صلاها ليالي، ثم تركها ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس لها، ولا كانت في زمن أبي بكر رضي الله عنه، وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر:"كل محدثة بدعة"،إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة ... إلى آخر كلام ابن الآثير.الذي سلمه الفقيه، واطمأن إليه، فاقتحم بذلك عقبة كؤودا ما كان ينبغي له ذلك لو تأمل الأثر بسياقه، ونظر إليه بعينين لا بعين واحدة، لأنه نص على أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه ليالي جماعة، ثم كف، وانتظر أصحابه خروجه، فلما خرج وسئل عن سبب تأخره،أخبرهم أنه تأخرعمدا خشية أن تفرض عليهم، وهو صريح في سنية القيام جماعة في تراويح رمضان،وإنما تأخر للسبب المذكور، قال العلماء: ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي، أمن خوف الإفتراض، ورجع الحكم للأصل، وبقي الناس يصلون فرادى وأوزاعا، يصلي الرجل وحده، والرجل ومعه غيره،ولما رأى ذلك عمر رضي الله عنه، رأى أن يعود الناس إلى الأصل، وهو قيام الناس جماعة واحدة مع الإمام، وأمر بذلك أبي ابن كعب وهو أحد حفاظ القرآن الكريم،فقام الناس،وخرج عليهم عمر وهم كذلك فقال: "نعمت البدعة هذه"، يعني الصورة التي أحياها بعد أمد، فكان مقصوده البدعة اللغوية،لا البدع المحرمة التي هي ضلالة، وهي الزيادة في الدين،هذا هو المعنى الصحيح المنسجم مع أصول الشريعة ومنهج السلف الصالح،لا ما يدعيه المبتدعة من فتح الباب للتزيد والعيث في الدين الكامل التام، بدعوى أنه من أفعال الخير الداخلة في حيز المدح،وإذا فتح هذا الباب يعسر سده، لأن أفعال الخير الداخلة في حيز المدح لاحد لها، ولا يمكن اعتبارها في أصول الدين المبنية على التوقيف، ولا في عباداته المحددة المشروعة بشروطها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير