تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة؟ قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أرد نا إلى خير،قال وكم من مريد للخير لن يصبه؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله لا أدري لعل أكثركم منهم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم نهروان مع الخوارج. انتهى الأثر العظيم،بل الحديث الفخيم، وسنده في غاية الجودة،وقد صححه شيخنا الألباني والأرناؤطيان،وأبو إسحاق الحويني ومصطفى العدوي،ومشهور حسن آل سلمان،وعلي حسن الحلبي، وغيرهم من تلامذة الألباني وأقرانه المتخصصين في علوم الحديث، وهو من أصول معرفة البدع والإبتداع،وتأمل جمله النيرة، وفقراته الهادية،لا سيما قوله:" إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة؟ " وقوله هذا ردا لقولهم:"ما أردنا إلا خير " وقوله:" وكم من مريد للخير لم يصيبه؟ "، وما الفرق بين عمل أولئك الجهلة , وعمل فقرائنا وطلبتنا في ليالهم السود، حيث يوزعزن على بعضهم أحزاب القرآن،وعددا من اللطيف فيما يسمى الفدية،ولو اهتدى أولئك إلى التسابيح لاستعملوها بدل الحصى، وهذا وقع بالمسجد النبوي، والصحابة متوافرون، وهم متفقون على صنيع ابن مسعود، وتوقف أبي موسى الأشعري لما فوجئ به من بدعة لا عهد للناس بها، وهذا شأن البدع في كل زمان ومكان من إقبال الناس عليها، وتحمسهم لها،ومن هذا الأثر أخذ أبو إسحاق الشاطبي تعريفه للبدعة: بأنها الفعل المخترع الذي يشبه المشروع يراد به المبالغة في التعبد، وقد قسمها إلى بدع أصلية، وبدع إضافية،وأفاض في بيان ذلك بالحجج النيرة،والبراهين الدامغة مع التمثيل، وقد كان رضي الله عنه في كتابه العظيم الرائد الإعتصام، أول من نبه إلى بدع المهدي بن تومرت السوسي الدجال الكذاب الذي أدخل مذهب الأشاعرة إلى المغرب،ونصره ونشره، وابتدع في الدين بدعا ما أنزل الله بها من سلطان، كالتهليل في الصوامع، وقول:" أصبح الصبح ولله الحمد " في أذان الصبح، وقراءة الحزب الراتب صبحا ومساء، وبدع رمضان، والأذان ثلاث مرات يوم الجمعة، وقد أخذ الشيخ مصطفى العدوي من هذا الكتاب مختصرا مفيد، كما استنبط منه أخونا علي حسن الحلبي علم أصول البدع، وقد بين قواعد ه وأصوله في كتابه: أصول علم البدع، وهو مطبوع.

فكيف مع هذل يأتي نكرة لا شأن له فيحكم بضعف الحديث بجرة قلم انتصارا لهواه، فاللهم غفرا.

ومعلوم أن ما أتى في حديث ابن مسعود المزبور مسلم عند فقهائنا المتأخرين، وأن ما فعله أولئك المبتدعة الذين كانوا مادة الخوارج الذين حاربوا الإمام الحق علي بن أبي طالب في نهروان كما سمعت، هو كله صواب، لأنه خير كله،يدخل في عموم الذكر، وتسهد له الأصول الشرعية، بل ربما غلا بعضهم فعده من السنة والمستحبات التي لا ينبغي التفريط فيها، وهكذا جر ويجر التساهل في الدين إلى هذه المزالق الخطيرة، ومنها "السبحة " واستعمالها، واعتبارها مستحبة، لأنها تعين على الذكر وضبطه كما قال السيوطي، في رسالته: المنحة في السبحة، واحتج فيها بحديث:" نعم المذكر السبحة "، وهو موضوع بلا شك، وما أورده في ذلك عن بعض الصحابة مما أورد بعضه الفقيه، عامته لا يخلو من ضعف، ولما إطلع النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أزواجه وهي تسبح بالحصى قال لها: " واعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤلات ومستنطقات،" وهو تعليم واضح منه عليه الصلاة والسلام،وإرشاد إلى ما يتخذ ويستعمل في هذا، ألا وهو العقد بالأنامل، مع بيان الحكمة والعلة في ذلك، التي لها في العد بالحصى والخشب وغيره،على أنه لم يثبت في الأذكار الواردة عدد يتجاوز المئة كما ألمعنا إليه.

والذي اتفق عليه العلماء أن "السبحة " لم يستعملها الرسول عليه الصلاة والسلام ولا الصحابة الكرام، ولا أرشد إليها ولا أقرها، بل أرشد بوضوح ألى العد بالأصابع، أفلا يكفي هذا المنصف إلى الحكم ببدعية "السبحة" في شكلها الراهن الذي أخذه الصوفية عن النصارى والوثنيين جزما، كما يشهد بذلك تاريخها؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير