تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و لم يشأ الله تعالى أن أحصل في رحلتي تلك على أيٍّ من النسختين اللتين كنت أنشدُهما، و لكن الرحلة أتاحت لي معرفة عدد من علماء سوس و طلبة العلوم الشرعية فيها، و منهم الأخ حسن تقي الدين، الذي أعانني كثيراً في فهرسة و نسخ و تصوير عشرات المخطوطات التي كانت في حوزتي.

بَدَأْتُ رحلتي في جمع المخطوطات أثناء إقامتي في البوسنة و الهرسك، و تحديداً في عام 1416 للهجرة، حيث كنت على سفر بصحبة الأخَوَين الفاضلين صلاح الدين، و أبي حارثة التونسِيَّيْن من البوسنة إلى الشام، و قُدِّر لسيارتي أن تتعطل و نحن في بلدة بليِفليا الواقعة في إقليم السنجق، بجمهورية الجبل الأسود اليوغسلافية، و بينما كنا نسعى لإصلاحها، و نلتمس مأوى نبيت فيه ليلتنا اجتمعنا بطبيب سوريٍّ كرديٍّ يقيم هناك منذ عقود، و اسمه جلال، و قد كان له الفضل في تعريفنا ببعض أعيان الجالية المسلمة في تلك البلدة، حيث ساقتنا معرفتهم إلى زيارة مسجد قديم فيه مجموعة من المخطوطات و المطبوعات النادرة، فابتعتها منهم، و حملتها في رحلتي، لأعاني في نقلها ما جعلني أعرف حقيقة قيمتها، خاصة حين كاد حرس الحدود البلغار على الحدود بين بلغاريا و تركيا يستولون عليها، و يقاضوننا بسبب اقتنائها، حيث اعتبروها آثاراً يُحظَر على الأفراد حيازتها.

و من المحطات الرئيسة في رحلة جمع المخطوطات التي يحسن تقييدها في هذا المقام أني تعرفت في العشر الأواخر من رمضان المبارك بمدينة الرباط المغربية على الأستاذ برهان قرقور، و هو سوري من التلّ، يقيم في المغرب منذ أكثر من عِقدَين من الزمن، و رأيت عنده ثلاث مخطوطاتٍ، ابْتَعتُها منه بثمن زهيد، و كان من بينها كتابُ فتح الوهاب، و هو تفسير الميموني لمُشْكِل القرآن الذي حققتُه لاحقاً بعد أن عرفتُ أن نسخته التي وقعت في يدَيَّ نادرةٌ، و لا تكاد توجَدُ نسخةٌ أخرى منه.

و من تلك اللحظة توجهت إلى العناية بالمخطوط المغربي، اقتناءً و ترميماً و نشْراً، فكم من مرة توجهت فيها إلى الخزانة العامة بالرباط، أو إلى مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء، و في حقيبتي المحمولة على ظهري ما يثقله من المخطوطات، لأعرض عليهم صوراً منها لقاء مساعدتي على ترميمها و فهرستها، و حسبُ.

و ما فتئتُ أنفق ما يَفْضُلُ عن قُوت أهلي و أبنائي في ابتياع و اقتناء المخطوطات، حتى شقَّ عليَّ الأمرُ، فكففتُ و في النفس حسرةٌ، أيُّ حسرة.

و من العقبات التي اعترضت سبيلي القوانينُ الوضعية الصارمة التي تمنع حيازة الأفراد للمخطوطات في معظم البلاد العربية، مما دفعني إلى تفريق ما أمتلك منها، فاحتفظت ببعضها في المغرب، و جعلتُ بعضها في مصر، و سورية، و بعثت ببعضها إلى الإمارت العربية، فيما بقي أغلبُها في أوروبا.

و بسبب عدم معرفتي ببعض القوانين صادرت السلطات المصرية مني أربعة عشر مخطوطاً نفيساً كانت بصحبتي في رحلتي من دبلن إلى القاهرة مروراً بمطار ميلانو الإيطالي، في ذي الحجة من العام الماضي 1426 هـ، و على الرغم من أني صرَّحتُ بوجودها معي عند وصولي إلى ميناء القاهرة الدولي، كي لا أُمنَع من اصطحابها في رحلة العودة بعد قضاء الغرض من وجودها في مصر (و هو الترميم و التصوير و التبادل)، فوجئت بفظاظةٍ في تعامل موظفي المطار، و بفَرط جهل موظفي الجمارك بالقانون، و هو ما جعلهم لا يفرقون بين مَن يجلِبُ الآثار إلى بلادهم، و من يخرج بها منها، فقرروا حَجْزَها بعد أن عدّوها آثاراً، و وجدتُني ـ و قد فقدتُ بعض النفائس التي عانيت الأمَرَّين في جمعها ـ مُهرِّباً للآثار.

فوا حسرتاه على فقد ما فقدتُ، و وا أسفاه لتوسيد الأمور إلى غير أهلها في بلاد المسلمين اليوم.

و خشية تكرار ما جرى لي و لمخطوطاتي عمدت إلى تسجيلها في مركز أسسته لهذا الغرض، و سمَّيتُه (مركز نجيبوَيه للمخطوطات و خدمة التراث) و جعلتُ مقرَّه سراييفو حاضرةَ البوسنة و الهرسك، حيث لا تمنع القوانين فيها حيازة الأفراد للآثار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير