تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نعم وقفت -وفقك الله- على ذلك، وعلق الشيخ الإمام أنه كمن يغسل بالدم الدم .. أليس كذلك؟؟

أما الإمام الإبراهيمي فما هان على محبيه وناصريه من الجزائريين، لكنك تعرف حال الجزائر يومذاك، وحال رجال الإصلاح فيها ... ما هان الإمام على محبيه، لكن مكر الليل والنهار (أما مكر النهار فمكر المستدمر الفرنسي، فعداؤه معروف مفهوم .. وأما مكر الليل فمكر الطرقيين والمصلحيين من علماء السوء وأتباع كل ناعق!) فقد كانوا يضيقون على المصلحين ويحاربونهم في "خبزة عيالهم" ... ثم إن الإمام البشير ما كان يرضى أن يعيش على نفقة أحد كائنا من كان .. لأجل ذلك كان يعيش بالدين .. رضي الله عنه ورحمه ما كان أعز نفسه وأكرمها!! ولا يستغرب هذا على عالم حق، من ذرية أبي القاسم (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثُمَّ إنِّي في كثير من المَواضع التي أقرؤها= أجِدُ البشيرَ في غُرْبَة وهو في بلده وبين قومه وقَبيله، وكان دائما يَحِنُّ لتلك الأيَّام التي قَضاها في الشَّام بين إخوان الصَّفاء، وخلان الوَفاء، فهل صَدَق ظنّي أوْ لأقُلْ سُوءُ ظنِّي في الذي شَعرتُ به؟؟

ثمَّ إنّي قرأتُ أنَّ البشيرَ في حياة الشَّيخ عبد الحميد بن باديسَ عَزَمَ على ترك الجزائر، والذَّهاب إلى المشرق، وبعدَ أنْ لَقِيَ ابن باديس ليُعْلِمَه بما أزْمَعَ عليه -ولم يُعلمه مستشيراً-، أسمعه ابن باديس كلمةً رَدَّته عن الذي جَمَع عليه رأيَه .. فأسْألُك أبا عليّ -رحمك الله- ما بالُ البَشير عَزَم على الهجرة من بِلاده، وترك إخوانه؟؟

كيف لا يكون الشيخ في "غربة" وهو الذي كان يعقد مجالس الأمالي الحديثية في دمشق، ويجتمع إليه أرباب البيان وأساطين الأدب والفكر والسياسة .. فإذا به إذ رجع إلى الجزائر (وهي يومئد بلقع خراب .. جهِّل شعبها، وأبعد عن دينه ولغتة) يدرس المتون الصغار، ويعلم الناس أوليات دينهم .. نعم كان يفعل كل ذلك محتسبا صابرا محييا أمة بعد موتها .. لكن لا بد للمصدور من نفثة!!

نعم، عرفت الجزائر بداية الثلاثينيات الميلادية ثورة علمية سلفية أدبية كبرى ... لكن كان شوط الجميع وراء شوط البشير إذ يمشي على مهل! كان يجد بعض السلوى في مسامرة الإمام باديس، أو أولاده من نجبة العلماء الأدباء: الشيخ العلامة المقرئ نعيم النعيمي، والشيخ محمد العيد، والشيخ أحمد سحنون، والشيخ حمزة بوكوشة .. وغيرهم. لكن لو قدر الله للإمام البشير أن يستقر به المقام في المشرق .. لكان له في التاريخ .. بدل السطور صفحات.

ولقد قال الإمام البشير مرة، بعد قصة مشهورة وقعت له مع القراء: "ويل لأمة تلقى العدد العديد بواحد" .. يقصد نفسه! هكذا كان شعور الإمام البشير .. وهكذا كانت حقيقة الأمور!

أما الجزائر خاصة والمغرب العربي عموما .. فالأدباء والعلماء فيها -منذ زمن- يندبون ضيعتهم، وسوء "طالعهم".

محمد العيد:

ما في الجزائر مجلس أغني به نفسي وأستهوي إليه فؤادي

أصبحت لا منها ولا من أهلها ... والقوم قومي والبلاد بلادي

وقال حمزة بوكوشة:

بئس أرض الجزائر اليوم أرض ... لا تحب الكرام والزعماءَ

بؤرة تبلغ النبوغ وتصفو ... للمرائي وتفضح الأوفياء

كلما قام مصلح يطلب الإصلا (م) ح أغرت بسؤله السفهاءَ!

ثم أقول لك إني قرأت في بعض مقالاته لما كان في المشرق أي بعد سنة 1952 ما أشعرني أن بعض من كان بالجزائر لم يكن مرتاحا لخروج البشير منها، وأنه أرجفوا بأمور لست أذكرها، فهل يا أبا علي: أنا واهم فيما أحسستُ به؟؟

نعم أرجف "بعض" أن الإمام البشير "فر" من واجبه، وذهب إلى الشرق لـ"يرتاح" .. لكن الشيخ ذهب وقد أنهكه المرض وأثقلته السنون، ولو شاء لسافر يوم كان "جذع"! في الثلاثينيات أو الأربعينيات .. ولكان له شأن أي شأن.

ولقد حدّثني جدي -رحمه الله- أن سعيدا الزاهري (الأديب الجزائري الكبير المعروف، الذي عده شكيب أرسلان أحد أعمدة البيان الجزائري .. وكان عضوا في جمعية العلماء أيام الإمام باديس، ثم اختلف مع الإمام الإبراهيمي فكانت بينهما عداوة)، تعرّض في مجلس خاص لجمعية العلماء وشيخيها (بداية الخمسينيات): الإبراهيمي والتبسي ... ونالهما بسوء .. فسئل عن سفر الإمام الإبراهيمي إلى مصر، فقال: "نوّم المغرب كله، وذهب إلى المشرق لينوّمه! " هكذا قال، ثم سئل عن العربي التبسي (قال شيخنا الهادي الحسني: وهو أصولي الجمعية .. -ت: وهو خريج الأزهر) .. فقال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير